تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الرباط 08/03/1979 :خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة العدوان المستمر على ترابنا الوطني

08/03/1979

تلاه السيد أحمد رضى كديرة مستشار صاحب الجلالة
أول دورة استثنائية سيعقدها المجلس تطبيقا للمرسوم الذي اتخذه المجلس الوزاري المنعقد تحت رئاسة المغفور له الحسن الثاني رحمه الله عملا بمقتضيات الفصل التاسع والثلاثين من الدستور.

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه

حضرات السادة النواب المحترمين:

أمنكم الله ورعاكم ووفقكم وسدد خطاكم وسلام عليكم ورحمة الله.

وبعد، فإن الوضع في جنوب المغرب يسير على توالي الأيام من طور عسير إلى طور أشد عسرا، وهو خليق إذا ما استمر ودام على هذا الوجه أن يعرض البلاد لعظيم الأخطار، وإننا لنعلم أن هذا الوضع يوشك في نظر الكثرة الكاثرة من المواطنين بل في نظر جميعهم أن يبلغ الحد الذي لا يحتمل ولا يطاق.

حضرات السادة النواب :

إن علمكم محيط بأن المغرب لم يفتأ يطالب منذ حصوله على الاستقلال سنة 1956 بحقوقه في الصحراء وقد التزم وهو واع اجتناب اللجوء إلى التهديد أو استعمال القوة قصد الظفر بهذه الحقوق وذلك لتمسكه الصادق الشديد بمبادئ العدل وشريعة القانون الدولي فناضل نضاله السلمي بصبر مقرون بإصرار حكيم إلى أن بلغ غاية مراميه، وفي نهاية المطاف سلمت لنا إسبانيا صحراءنا اعترافا منها بمشروعية حقوقنا.
ومنذ ذلك الحين أخذت أصعب الصعاب تعترض سبيلنا.

ذلك أن الجزائر قررت بادئ ذي بدء على الرغم من تعهدات القائمين بأمورها المصرح بها بصورة علنية لا مراء فيها ولا جدال، أن تنازع في مغربية الصحراء، ثم ذهبت إلى أبعد من هذا، فأنشأت ونظمت وجهزت فوق ترابها بالقرب من تخوم أراضينا قوات مسلحة مستهدفة هدفا واحدا ألا وهو شن غارات علينا، وانتهاك حرمة ترابنا الوطني المقدس، ورامية بالتالي إلى بذر الشك والارتباك فيما يتصل بصحة ومشروعية حقوقنا في الأجزاء المسترجعة من بلادنا.

وغير خاف عليكم أن قواتنا المسلحة تصدت باستمرار لغارات العدو فأحبطتها وردتها، وكتب الله دائما الفوز والنصر لتصديها وردها، إلا أن قواتنا لم تتجاوز أبدا ما رسم لها من واجب صيانة أمن المواطنين وحماية التراب الوطني،و طفقنا في نفس الوقت نأمل أن يكون القول الفصل للحكمة وأن نصل بالطرق السلمية إلى إقناع جيراننا بالعودة إلى محجة الصواب.
وكنا نرى أن هذا الموقف يدخل في إطار رغبتنا الكبرى في أن تصبح الوحدة المغربية حقيقة ملموسة حية بالإضافة- إلى أنه يقي البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب أخطار الحرب ومغباتها.

ولم تذهب جميع جهودنا سدى فقد أسفرت بالفعل عن نتائجها الأولى، ففي مستهل سنة 1978 تم لقاء أول بطلب من المغفور له الرئيس هواري بومدين، وتبع هذا اللقاء لقاءات أخرى كثيرة طيلة النصف الأول من السنة الآنفة الذكر، وكان موضوعها الجوهري والأوحد تنظيم لقاء بين رئيسي الدولتين وتحرير نص مكتوب يصلح أن يكون أساسا وإطارا لمحادثاتهما، وتم الاتفاق على زمان ومكان اللقاء إلا أن مرض الرئيس الراحل هواري بومدين حال بين هذا الأخير وبين تحقيق الاتصال.

وإذا كنا قد أسفنا شديد الأسف لاعتراض هذا العائق، فقد بقينا نؤمل أن خلفاءه المتوقعين وخاصة من شارك منهم في جهودنا ومساعينا سيظلون أوفياء لخواطره وأفكاره. وسيركبون ما ركبه من مسالك.

غير أنه يبدو و يا للأسف أن الأمر على خلاف ما كان يتصور، وأول شاهد على ذلك أن السيد الوزير الجزائري للشؤون الخارجية كتب ردا على الرسالة الأخيرة لوزيرنا في الشؤون الخارجية يقول- وهو يقصد بصورة واضحة إدانة ما كان للرئيس الراحل من استعداد ونيات- إن اللقاء لم يتم لا بسبب الحالة الصحية للرئيس بومدين، ولا بسبب الخلافات القائمة بيننا حول الصحراء الغربية فقط، وإنما حول الشرق الأوسط والمشكل الفلسطيني.

إن التزييف الطابع لهذه العلة التي وقع العثور عليها بعد لأي وتم التذرع بها على هذا النحو لتزييف مفتضح مكشوف، لقد كان ولاشك بيننا وبين الرئيس بومدين خلاف في شأن قضية الصحراء، بيد أن لقاءنا كان موضوعه بالذات النظر في هذا الخلاف ومحاولة إنهائه.

أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط والمشكل الفلسطيني فإننا نعتقد أن لا وجود لخلاف أساسي بين المغرب والجزائر، ولم يكن لهذا الخلاف وجود في يوم من الأيام ، وإذا كان المسؤولون الجزائريون يعتقدون أن الخلاف نشأ بعد زيارة الرئيس السادات للقدس وقام بسبب عدم انتمائنا لجبهة الرفض، فإننا نصرح علانية وبقوة مستعدين للإدلاء بالحجج والبراهين على أن الاتصالات العديدة التي كانت تهدف إلى تيسير أسباب اللقاء بوشرت كلها ابتداء من أولها إلى آخرها بعد الزيارة للقدس وفي وقت كانت فيه جبهة الرفض مكونة سائرة في طريقها.

ثم تكشفت نيات المسؤولين الجزائريين العدائية في حملة القدح والتشهير التي تشنها على بلادنا دون انقطاع أو فتور جميع وسائل الدعاية الجزائرية.

وأخيرا فإن ترابنا الوطني كثيرا ما ينتهك حرمته معتدون ينطلقون من الجزائر ويلتجئون إليها بعد ارتكاب إجرامهم.

وإذا كنا قد حرصنا إلى الآن على تقديم الدليل للرأي العام الوطني والدولي على حكمتنا وصبرنا وعلى احترامنا بصورة خاصة للمبادئ المعتمدة في المنظمات الدولية التي ننتمي إليها فقد حان الوقت الذي يتعين فيه علينا- مع بقائنا متمسكين بنفس الحكمة وملتزمين نفس الالتزام بمبادئنا- أن نعيد النظر في الحالة التي توجد عليها بلادنا وهي حالة لا حرب ولا سلم المترتبة عليها مع ذلك جميع الأضرار والعواقب التي تتولد عن الحرب.

إن القصد من خطابنا هذا أن نشرك امتنا كلها في مختلف الجـهود التي نبذلها، وأن نعرض عليها مرة أخرى بصفة واضحة الأغراض السلمية التي نتوخاها.

إن العمل الذي قمنا به والعمل الذي نحن مدعوون للقيام به لهما من السعة ومن الأهمية الحاسمة بالنسبة لمستقبل بلادنا ومصيرها بحيث رأينا من الضروري أن ندعو الأمة كلها متمثلة في نوابها إلى الإسهام في إعداد التدابير والقرارات التي يتطلبانها.

وانطلاقا من هذا المنظور قررنا أن نحدث بجانبنا، وفي مسار مواز لحكومتنا، مجلسا يضم الممثلين لجميع التيارات السياسية المنظمة، ويناط به مهمة تحديد وتطيق السياسة الهادفة إلى صيانة ترابنا الوطني وأمن الدولة.

إن دستورنا ليجعل منا الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة، ومن أجل هذا فإننا نعلن رسميا أننا سنضطلع دائما بواجباتنا في جميع الظروف دون كلل ولا وناء، وسنظل إلى هذا أوفياء لالتزامنا وتصميمنا على أن نستشير الأمة كلما تعرضت حياتها ومصيرها ودوام رفعتها لخطر من الأخطار.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.