تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الرباط 08/10/1971 :خطاب صاحب الجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للبرلمان : السنة التشريعية 1971 - 1972

07/10/1971

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله

حضرات السادة:

إنه لمن دواعي المسرة والحبور ومن عوامل الفرح والسرور أن نلتقي بكم في يومنا هذا، في مجلسكم هذا لنعلن افتتاح دورة أعماله لسنة1971-1972وإذا كنا حضرات السادة في غنى عن الإشارة إلى ما كنا لكم أوضحناه، وما أمامكم سالفا قلناه وبيناه، من واجباتكم وحقوقكم فإننا نرى لزاما علينا أن نحيطكم علما بما يخامر أذهاننا وما جعلناه قبلة أنظارنا ومرمى تفكيرنا، ذلك أن الدستور المغربي كجميع الدساتير اضطر- قصدا إلى الفعالية - إلى أن يقسم سلطاته ومهماته إلى قسمين: فقسم ما هو منه تشريعي وحدد ما منه هو تنفيذي، ولكني كما قلت لكم آنفا ما هذا التقسيم وما هذه التجزئة إلا وسيلة قانونية استعملها الفقهاء من قديم حتى يسهل على متناولي الدستور أن يتناولوه ويتعاملوا به، فإذا نحن حللنا الدستور المغربي وجميع الدساتير وجدنا أنه أولا يستعمل في كلمات السلطة لفظا في غير محله.

الواجبات بدل السلطات:

ذلك أن في القرن 20 لا يمكن أن يستعمل لفظ السلطة، إذ لفظ السلطة هو مشتق من السلطان، والسلطان هو ما وصف به الله سبحانه وتعالى قدرته وجاهه، لا حد له، لا نقض له ولا إبرام، فنجد للإدارة حدا ونقضا وإبراما. في الغرفة الإدارية، في المجلس الأعلى، ونجد للقضاء ما يحد من كلماته ومن قضائه في الاستئناف، وفي المجلس الأعلى للقضاء، وفي محكمة النقض والإبرام، لذا لا يصلح لأي دستور في أي بلد ما أن يستعمل مطلقا لفظة السلطة لما فيها من المعنى المطلق بالنسبة للحقيقة النسبية. ومن تم بماذا يا ترى سنعوض لفظ السلطة أو السلطات؟ سنعوضه بلفظ الواجبات، وهنا نرى حينما نستعمل لفظ الواجبات أن هناك تداخلا بين ما هو تنفيذي وما هو تشريعي، وهناك وعند ذاك نضع أصبعنا على تلك التجزئة أو التفرقة التي أشرنا إليها سابقا من كونها أنها تجزئة أو تفرقة لم يستعملها فقهاء القانون الدستوري إلا لتسهيل المعاملة بالدستور والتعامل به، فإذن نجد أنفسنا أمام دستور له مفهومه وله منطوقه، له ظاهره وله عمقه، له ما هو متعلق بالتسيير والتدبير، نرى أن هناك كذلك تداخلا شاملا كاملا لا يقبل التجزئة ولا العنصرية بين التنفيذ والتشريع بين التسيير والتدبير.

التشريع والتنفيذ لكم جميعا:

فلنر مثلا الناحية التشريعية هل حق التشريع موقوف على الحكومة؟ أم هو موقوف على مجلسكم هذا؟ لا، بيد كل منكما حق المبادرة إلى اقتراح النصوص التشريعية، و ها أنتما مشتركان في الواجبات لا أقول سلطات الواجب التشريعي حيث أنا لو استعملنا لفظ السلطة لكان حق التشريع للحكومة يحتاج إلى إجابة الحكومة بنعم على مقترحاتكم فلم يصر هناك أي سلطة بالمعنى المطلق بل واجبات وحقوق إذن- لكم جميعا حق التشريع الذي هو حق التدبير حيث إن كل قانون لا يطرح أمام أنظاركم أو لا يوجد قانون يعرض على بساط الدرس أمام الحكومة حتى يكون منبثقا عن تدبير شامل كامل مستقص لجميع النواحي ولجميع الوجوه.
أما السلطة التنفيذية أو الجهاز الإداري أو الواجب الإداري فلقائل أن يقول: إن للحكومة جهازا إداريا في إمكانها أن تعمل به وحدها، وأين هو اقتسامنا مع الحكومة للسلطة التنفيذية؟ أقول إن القانون في الدستور هو أعلى تعبير للإرادة الوطنية، والقانون هو أعلى تعبير لإرادة الأمة، هو ينبثق من مجلسكم هذا، فأنتم المنتخبون للأمة المغربية ولديكم سلطة تنفيذية، ولديكم تسيير وذلك باستعمال تلك المنصة، منصة الثقة، باستعمال ذلك المنبر، المنبر الشعبي الذي أرادكم أن تكونوا هنا جالسين تشرعون وتدبرون، فإذا كانت للحكومة سلطة تنفيذية. فلكم أنتم كذلك سلطة تنفيذية عند من انتخبوكم، فعليكم إذن واجبات، واجبات: أن تقولوا وتفسروا وتبينوا وتوضحوا وتأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر.

الملتقى الواحد هو مصلحة الأمة:

وهنا نرى انه لا يوجد أن حد ولا أي فارق بين تسيير وتدبير، بين تشريع وتنفيذ، هناك ملتقى واحد مصلحة الأمة وخير البلاد والعباد.
وفي الرابع من شهر غشت الماضي وجهنا إلى الأمة خطابا حملناه فيه على الاستيقاظ من نومها، والانتفاض من سنتها وبينا ما كان يحيط بها من مكاره ومساوئ، وفتحنا أعينها على المصائب وأخطار المسالك، ووضعناها جمعاء على اختلاف طبقاتها و هيآتها وأحزابها وأسرها الفكرية، وضعناها أمام اختيار: لها أن تعيش حرة كريمة بما في لفظ الحرية والكرامة من طريق كأداء وبما في لفظ العزة من تضحيات جسام وبين أن تتعايش مع الزمان وتقبل ما يأتي به الزمان ريثما يقضى الله أمرا كان مفعولا. وحينما وضعنا أمام أمتنا هذا الاختيار كان وضعنا له من باب المجازفة أو من باب نوع من الفصاحة، علما منا وإيمانا بأن أمتنا التي لم تختر دائما وأبدا من الطرق إلا أكرمها وان كانت صعبة، وإلا أعزها وان كانت كأداء، ستستجيب لندائنا وستختار اختيارها التاريخي المعروف عنها والذي كانت معهودة به، وحتى نسهل لها السير في هذا الطريق الذي وصفناه بأنه طريق صعب أردنا أن نضع لها معالم تكون بالنسبة لبرلمانكم هذا ولحكومتنا هاته برنامجا وخططا وأهدافا.

معالم الطريق:

قلنا أننا نريد لها عدلا طاهرا نقيا، قلنا أننا نريد لها جهازا إداريا مستقيما وذا فعالية، قلنا أننا نريد لها تعليما سليما نافعا، وقلنا أننا نريد لها توزيعا للثروة يكون عاما شاملا، وإلى الازدهار عاملا حافزا دافعا.
هذه حضرات السادة معالم طريقنا، وهل في إمكاننا أن نجد معالم أخرى غير هذه المعالم؟ لا، حيث أنها تشتمل على حياة بنى الإنسان، حياته المادية والمعنوية حيث أنها تعانق بين ذراعيها ما يحتوي عليه عالمنا اليوم من غزو مادي وربح معنوي وإن، حكومتنا ستضع أمامكم ما تراه قمينا بأن يصل بالبلاد إلى هذه الأهداف وسيشرح أمامكم قريبا وزيرنا الأول الخطة الشاملة للحكومة، ووزراؤنا من بعده الخطة المفصلة للوصول إلى هذه الأهداف: الإدارة المستقيمة الفعالة، العدل النزيه المستقيم، التعليم السالم النافع، التوزيع الذي من شأنه أن يكون للازدهار والخير دافعا، وإنني لأنتظر منكم جميعا حكومة وبرلمانا أن تروا هذه المشاكل بعين واسعة وشاملة وان تنظروا إليها بفكر يتجاوز حدود الأنانية، فإذا كان المرء مومنا ووطنيا طاهرا صالحا فانه لا يقف عند حدود، فلا يقول أنا من الحكومة لي كذا وكذا، ولا يقول أنا من البرلمان لي كذا وكذا، ولا نسمع من الحكومة أن تقول ليس هذا من اختصاص البرلمان ولا يسمع لأي برلمان أن يقول إن هذا يمس بحرمة البرلمان، فالحرمة والفعالية والأهداف والجدية ليست مناطة بهذا الكرسي، كرسي الرئاسة للبرلمان ولا بهذا الكرسي، كرسي الحكومة ولا بهذه الكراسي كراسي البرلمان.

فراسة المؤمن:

هي معلقة في جبين كل أحد، هي مناطة بفراسة المؤمن تلك الفراسة التي لا تخطئ والتي من شأنها أن تجعلني لأنني مؤمن بوطني وايماني وتجعل من كل مغربي وطني أن ينظر إلى جبين فلان وفلان،وأن يتكهن فيه ما يتكهن وأن يقول أن هذا مؤمن صالح، وزيرا كان أو برلمانيا،أو هو طالح وزيرا كان أو برلمانيا،لأن فراسة المؤمن لا تخطئ فاتقوا الله يا عباد الله اتقوا الله واتقوا فراسة المؤمن، فكلامي هذا موجه للجميع مسيرين ومديرين وزراء وبرلمانيين،ومن خلالكم، فهو ينعكس على من انتخبوكم،ينعكس على الأسر التي علقت أملها بكم،ينعكس على البيوتات التي تأمل على يديكم الخير كل الخير، ينعكس على مجموع هذه الأمة، التي تريد أن تؤمن بالديمقراطية، التي تريد أن تقدس الأنظمة الدستورية والتي هي بمثابة عاشق راغب طالب لا ينتظر إلا شيئا،إلا قبلة حنان وإخلاص وصدق، منكم جميعا وزراء وبرلمانيين.إنني أرى حضرات السادة،في هذا اليوم المبارك وهو يوم الجمعة،أن نقدم جميعا القسم فنقف:( أقسم بالله العظيم، أن أكون مخلصا لديني، ولملكي، ولوطني، وأن أعمل جادا لخدمة مواطني، أقسم بالله العظيم أنني سأحارب الرشوة والاختلاس وأعمل خالصا لما فيه صالح البلاد والناس).

ولنبر بقسمنا بتلاوة الفاتحة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت علهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

صدق الله العظيم

والسلام عليكم جميعا ورحمة الله.