تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الرباط 09/10/1981 :خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1981-1982

09/10/1981

الصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه

حضرات السادة النواب:

جرت العادة عند افتتاحنا لدورتكم في شهر اكتوبر أن نتطرق إلى موضوع عام يدرس قضايا مختلفة ثقافية واقتصادية أو يطرح على بساط التدارس مشكلة اجتماعية أو وضعا سياسيا.

وكنا قد أعددنا لدورتنا هذه موضوعا يدور حول المشروعية أين تبتدئ وأين تنتهي شكليا وما هي امتداداتها الخلقية والسياسية جماعيا وفرديا، إلا أن هناك حادثا قد حدث ورأينا من واجبنا، أن نتطرق إليه وأن نخاطبكم وشعبنا العزيز في هذا الموضوع الذي نعتبره خطيرا جدا، أخطر بالنسبة لنا من ضياع الصحراء أو السماح في سبتة ومليلية، ألا وهو موضوع العبث بأرقام الأغلبية الشعبية والتجاهل لما أرادته الجماعة جماعة الأمة الإسلامية.

قرأنا في الصحف وبلغنا أن ثلة من النواب كتبوا إلى رئيس مجلس النواب رسائل انفرادية يعربون فيها عن تخليهم عن منصبهم النيابي وذلك تبريرا لكونهم يعتبرون أن مدة انتدابهم قد انتهت، فماذا يترتب عن موقف كمثل هذا الموقف؟

أولا : هذا الموقف الذي هو ضدالدستور وضد الجماعة الاسلامية المسلمة يجعل منا كملك البلاد وأمير المؤمنين والساهر على وحدة التراب الوطني فكريا ومعنويا وعلى سير المؤسسات الدستورية، نحن الذين قدمنا القسم مرة كولي العهد، ومرة كملك الرجل المطوق، أحب أم كره، بالسهر على مؤسساتنا.

وثانيا: لننظر كيف يمكن أن يوضع حد لعبث العابثين واستخفاف المستخفين.

ولننطلق في دراستنا الدستورية، وأنا شخصيا خجل جدا، لأن مغاربة هم الذين سيكونون قد أعطوا الصورة الأولى لهذه المشكلة الدستورية والتي لم تقع في أي مكان في الشرق أو الغرب، في اقريقيا أو آسيا أو أوربا أو أمريكا. وأراد الله وأرادت الأقدار أن تبتلينا وأن تجعل منا نحن أول دولة يدرس في الدراسات الدستورية الواقعة التي وقعت, ألا وهي استخفاف جماعة برأي الجماعة، وبرأى جماعة المسلمين.

فإذا نحن سكتنا عن هذه القضية فسنصبح أولا فاتحين الباب للفوضى، وتاركين للمغاربة أن يختاروا من القانون ما يعجبهم، ويرفضوا منه ما لا يوافقهم، وهذا شيئ خطير كما قلت لكم، لأنه يفتح باب الفتنة المشار إليها في القرآن " الفتنة أشد من القتل ".

ثانيا: يقول الدستور وينص على أن نتائج الاستفتاء تلزم الجميع، بل ذهب الدستور إلى أقصى حد حينما نص على أنه فيما إذا وقع ـ لا قدر الله ـ وقع عدم التوافق بين مشروع قانون مر في مجلس الوزراء وبين البرلمان يطرح الاختيار أمام استفتاء الأمة، وإذذاك إذا كانت الأمة موافقة لرأي البرلمان، بمعنى نتيجة الاستفتاء، تلزم ملك البلاد.

وأخيرا، معنى هذا أن ستة ملايين ومائة وثلاثين ألف مغربي التي صوتت بنعم في العام الماضي أصبحت لا توازن أي شيئ وقيمتها لا شيئ ووزنها غير شيئ أمام الإرادة، إرادة الشعب.

حقيقة هذا استهتار، واستخفاف، ومن واجبنا، كملك أن نرجع الأمور إلى نصابها، وأننا نفكر في كيفية الزجر، لأننا لم نضع قانونا حينما وضعنا الدستور إيمانا منا أننا لن نجد أمامنا ناسا مستخفين ضالين ومضلين، ولو كنا نعلم هذا لوضعنا نصوصا زجرية، ولكن إذا كان الملك الدستوري لا يمكنه أن ينظر في الأمر، فأمير المؤمنين ـ وذلك بواجب الكتاب والسنة ـ عليه أن ينظر في ذلك لأن القرآن يقول: (وأمرهم شورى بينهم )(وشاورهم في الأمر) فشاورنا جماعة المسلمين المغاربة حينما طرحنا عليهم الاختيار بواسطة الاستفتاء، فأعطونا ـ أحرارا غير مضطرين ـ اختيارهم، فأذن (وشاورهم في الأمر) و (إذا عزمت فتوكل) لأن هؤلاء خرجوا عن جماعة المسلمين، رأينا أشخاصا خرجوا من برلمانات ، وقرأنا مثل هذا وتعلمناه في المدارس وفي الكليات، ولكن يخرجون احتجاجا على عدم احترام قانون داخلي أو على عدم الأخذ برأي المعارضة أو الاقلية، أما أن يخرجوا من الساحة القانونية التي تعبر عن إرادة الشعب المغربي اعتبارا منهم بأن القانون الذي هو أسمى تعبير للسيادة المغربية لا يعنيهم فخطير، فإذا كان القانون لا يعنيهم فلماذا سيحميهم، فمن تجاهل القانون تجاهله كليا.

أما أن أقول بوجود قانون حتى تبقى ممتلكاتي في أمن، وحتى أخرج وأذهب للسوق أو للسينما وأرجع إلى بيتي في أمن، وحتى يؤدي الأجر للشرطي ليسهر على أمني، وحتى يؤدى الأجر للعسكري ليسهر على سلامة حدودي، طيب، ولكن قانونا آخر لا أعرفه (يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض) فمن جهل القانون عليه أن ينتظر أن يجهله القانون.

وحينما أقول هذا، أقوله و أعلم ما أقول، وكلكم يعلم أن الحسن خديم المغرب قلبه مليئ رحمة لا قسوة، والكل يعلم ذلك، ولكن أرجوا من شعبي العزيز ومنكم حضرات السادة أن تعطوني انتباهكم كليا،من شرع الدستور؟ عبد ربه وخديم المغرب،ومن اختار أن نعيش في إطار دستور؟ عبد ربه وخديم المغرب، طيب، ولكن قبل الدستور هل كان هناك فراغ؟ لا، كان الدستور فيه ما هو مكتوب وفيه ما هو تقليدي وكان المغرب ـ ولله الحمد ـ يسير في طريقه وسار في طريقه مدة أربعة عشر قرنا، تلك المدة وافق سيره النجاح والعظمة ووافق سيره بعض المرات نكبات ونبوات، ولكن حينما نكيف التاريخ ونجسمه نرى أن معدل السير كان سيرا مشرفا يباهي به أي مغربي مغربي الأمم مسلمة وغير مسلمة.

نعم في يوم من الأيام جاء الحسن عبد ربه وخديم أمته، وقال: سنترك ما كناوما كان عليه آباؤنا وسنبني إطارا جديدا للتعايش والتعامل، ولكن إذا نحن سكتنا عما وقع ماذا سيصير؟ فسنكون قد فرطنا في دستورنا القديم ولم نجعل لدستورنا الجديد الحرمة اللائقة به، تلك الحرمة التي أريد أن يصل بها بلدي، بي أو بدوني ، إلى آخر القرن العشرين وأن يحترف القرون المقبلة، يحترم فيها القوي الضعيف، لأن وراء الضعيف الحق والقانون أما إذا تركت هذا الشيئ كما هو، ولم أقومه من اعوجاجه، فلا أريد أن يكتب عني، فلان بدأ أشياء ولكن لم يسربها إلى النهاية.

فإذا نحن اخترنا الدستور ـ وأقول هذا لكم جميعا ـ الذي نعيش في ظله أو أي دستور فعلينا أن نحترمه، وعلينا أن نضرب على يد كل من لا يحب أن يحترمه، وإذا أردنا أن نرجع إلى تقاليدنا تلك التقاليد التي جعلت منا ـ ولله الحمد ـ أمة شامخة لنرجع إليها فإما أن نبقى ـ كما يقول الأوربيون ـ جالسين بين كرسيين فلا يمكن أبدا، وعرق ينبض في، أن أقبل هذا أولا كمغربي، وثانيا كمسؤول شخصيا ودستوريا على المحافظة على كيان الدولة ومؤسساتها ودستورها.

والآن أتوجه إلى جميع الاشتراكيين في العالم غربيين أو غير غربيين لأقول لهم: أنظروا مصيبة المغرب ، انظروا مشكلة الحسن الثاني، ها نوع المعارضة الذي عنده. مصيبة حقيقة، نوع المعارضة التي عند الحسن الثاني والتي عند الحكومة المغربية والتي عند البرلمان، لا تقبل الديموقراطية، ولا تقبل حكم الأرقام، وتخرج عن جماعة المسلمين وتختار في الحقوق والقانون ما يعجبها وتترك ما لا يعجبها، يقول لها المغرب باسمي وباسم القانون أرجوا أن يقول لها كذلك المغرب باسم من انتخبوه، وإلا ـ ستصبحون كلكم تلعبون على الذين انتخبوكم يلزم أن نقول لهم ، لا القانون لا اختيار فيه، القانون بعد الدين هو كل يؤخذ كله أو يترك كله ولكن سندافع عن القانون كله.

ولنرجع إذن إلى العالم الذي ينظر إلينا وأقول لهم حذار حذار من الألفاظ الجوفاء ومن المواقف الفارغة مع الأسف الشديد، وأنا أقولها وأنا حقيقة خجلان ولكن يأتي حين في أعمار المسؤولين إذا كان لهم ضمير فيجب فيه أن يمشوا حتى على عواطفهم وحينما أذكر المغاربة كيفما كانوا احس كأنني أمشي على جسدي، وأنني أقطع اصبعي ، أو أمزق أحشاشي ولكن الحقيقة هي الحقيقة أقول لأولئك الملاحظين الاشتراكيين بالخصوص غربيين كانوا أو شرقيين أفارقة كانوا أو أوربيين أنظروا ها نوعية الاشتراكيين الذين تدافعون عنهم والذين بواسطتهم ومن جرائهم تنصبون المغرب كأنه يذبح ويقتل ويشرد ولا يعطي أية قيمة لأي بشر، أقول لا المغرب ـ والحمد لله ـ أحسن من هذا وذاك.

قلت لكم في بداية الأمر حضرات السادة، أنني كنت أود أن لا أتطرق إلى هذا الموضع، ولكن من واجبي أن أتطرق،ألا هل بلغت؟ أرجو الله أن تكونوا قد فهمتم تماما الدافع لتدخلي لا يمكن أن أسكت عن هذه القضية، حاولت أن أجد العمل القانوني، مع الأسف، لم أجد سابقة في التاريخ لأية دولة كانت، ولكن لا يمكن أن يبقى في فرح ومرح من استخف بإرادة ستة ملايين ومائة وثلاثين ألف مغربي، فإذا كان الأمر سيصير إلى هذه الميوعة وإلى هذا التلاشي فإنني لا أبشركم بالصحراء قد ذهبت ولا بسبتة ومليلية لن نسترجعهما، أبشركم بذهاب المغرب لأن الدولة، التي لا تحترم تقاليدها وقراراتها وما أراد شعبها، دولة معرضة للزوال أو التفكك.

جغرافيا سيبقى المغرب ولكن سيصبر كل واحد منا حينما يضع علامته أو تأشيرته على أي ورقة عمومية كانت أم خصوصية يضحك على نفسه علما منه أن فلانا الذي سيسلمه البطاقة لن يحترم علامته كما أنه لا يحترم أي قانون ولا أية إرادة شعبية.

أذكر أن الفرنسيين كانوا ضغطوا في سنة 1951 ثم في سنة 1953 على أب المغرب الراحل محمد الخامس والدنا طيب الله ثراه، ليندد بطائفة من المغاربة،ألا وهي حزب الاستقلال، وكان جواب والدي رحمة الله عليه، أنا أمير المؤمنين وذاك الحزب لم يخرج عنجماعة المسلمين فلا يحق لي أبدا أن أتبرأ منه وأنا حينما أفعل هذا وأقول ما أعلم لا أتبرأ من الاتباع ولكن كأمير المؤمنين أتبرأ من أولئك الذين كانوا قاعدين هنا وخرجوا من هنا مستخفين بقوانين الدولة و مستخفين بنتائج الاستفتاء،و ومستخفين بجماعة المسلمين ، ومستخفين بكيفية نهائية،بمستقبل المغرب كبلد منظم يعيش في قانون ودستور وديموقراطية.

أظن حضرات السادة أنني قد أخذت من وقتكم ما يكفي لتتفهموا هذه المشكلة، وقد رأيت في أعينكم وعلى وجوهكم أنكم فهمتموها، ولكن الشيئ الذي أعرفه يقينا وهو أن عشرين مليونا الذين يرونني الآن على شاشة التلفزيون مباشرة، هؤلاء فهمت أنهم فهموني، وإنني لأشكرهم جزيل الشكر، أشكر شعبي العزيز واحدا واحدا على تماسكهم في التناصح وفي النصح، وما بلغني اليوم من عدم التضحية بأضحية العيد بكيفية تكاد تكون جماعية وعامة ليجعلني فخورا أن أكون على رأس هذه الأمة لأخدمها، فإذا كنت على رأسها فلأكون حاملا لها على كتفي وعلى عاتقي ما دامت الروح تجري في الجسد وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أن خيط الاستفتاء غير مكتوب ولا مضبوط ولكن الاستفتاء العاطفي ما زال وسوف يظل إن شاء الله سائدا تجري مجرى الدم بين شعبي وبين خادم شعبه.

يحكى أن النبي صلى الله عليه و سلم جاءه رجل فسأله عن عواطف أسرته نحوه، فأجابه النبي صلى الله عليه و سلم، وقال ( استفت قلبك ) وشعبي العزيز هو قلبي النابض وحينما استفتيه دائما يرد علي بنعم وبالاستجابة، والاستجابة السريعة الفاهمة العاقلة المتعلقة.

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لذنك رحمة إنك انت الوهاب)

والسلام عليكم ورحمة الله