تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الرباط 09/10/1987 :خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1987-1988

09/10/1987

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه

حضرات النواب

إنكم تعلمون ـ وأريد مرة أخرى أن تعلموا أكثر ـ الفرح العميق الذي أحس به كلما وقفت بينكم في هذا المجلس الموقر المحترم لأفتتح الدورة التشريعية لبرلمانكم، ودواعي تلك الفرحة هي دواعي شتى.

أولا : لأنني ديموقراطي الطبع والطبيعة، وأحس بنفسي بين أهلي وذوي حينما أكون معكم.

السبب الآخر لفرحتنا، وهو سبب مشترك نشترك فيه كلنا، وهو الافتخار والاعتزاز بأن نكون لم تمض على استرجاع حريتنا أكثر مما ينيف عن عشرين سنة حتى قررنا دستورا وقررنا أحكاما، ومن أهم وأخطر الأحكام التي قررنا التعددية الحزبية والنقابية .

إن ربحا كهذا الربح، ومكسبا كهذا المكسب، شيئ لا يحس به ولا يعطيه قيمته إلا من فتح عينيه على ما يرى من حوله، وحينما نفتح أعيننا، وحينما نقرأ أو نسمع، نرى أننا اخترنا الإختيار الصعب ولكن الاختيار الصائب.

فاختيار الحزب الوحيد والنظام الوحيد، هو طريقة سهلة يعتبره بعض القادة أكثر فعالية، لأن السلم للأمر لمن يعطيه ولمن يتلقاه، ثم لمن يتلقاه إلى أسفل السلم، يظهر أن الإنجاز يمكن أن يكون أسرع، أو ربما يتخيل المرء أنه نظرا لاختيارات الدولة النامية، عليها أن تكون في غنى عن هذا البذخ السياسي، وهو التعددية.

أقول : لا ، السرعة في التنفيذ ليست هي الهدف الأول، الهدف الأول هو اقتناع الجميع بالمشاريع.

ثانيا: إشراك الجميع في تلك المشاريع.

ثالثا: أن يتبين الجميع تلك المشاريع، فكل مفخرة وكل منجزة لماذا تبقى وقفا على هيأة أو شخص. يجب على كل مغربي مغربي كيفما كان مستواه، أن يعتبر كل مشروع ضخم وكل منجزة ابنا له، وان يعتبر أنه شارك فيها وأنها ليست نتيجة فلان أو فلان، ولا بنت هيأة دون هيأة، ولكن نتيجة عمل الجميع كيفما كانوا سواء من الخواص أو من الإدارة .

أنا الذي اخترت الآية الكريمة التي افتتحنا بها هذه الجلسة، لنسمع آية ( وشاورهم في الأمر) وهناك آية أخرى ( وأمرهم شورى بينهم).

أنا أعتقد، واستغفر الله واستسمحه باجتهادي المتواضع، أن الآيتين ليس لهما نفس المعنى، الشورى في الإسلام تنقسم إلى قسمين في نظري:

ـ الشورى الاجتماعية الخلقية، والشورى السياسية ( أمرهم شورى بينهم) واللفظ هنا "أمر "، هنا يقتضي مشاكلهم، قضاياهم، تباحثهم ( أمرهم شورى بينهم ) على المستوى المحلي وعلى المستوى الإقليمي، على مستوى المدينة وعلى مستوى الجيران ( أمرهم شورى بينهم) يتحلون بالشورى ، والشورى هي التي تجعل أن المسؤولية التي كانت منحصرة في درب أو في مدينة تصير مسؤولية جماعية، لأن خلقهم الشورى ، والآية الأخرى جاءت بالأمر ( وشاورهم ) وجاءت بالتعريف في " الأمر " " والأمر " هنا هو الشأن، هو القرار، فهذه هي الشورى السياسية حسب اعتقادي واجتهادي، واستغفر الله إن كنت أخطأت.

فإذن كيف يمكننا ألا نكون ناجحين في حياتنا الدستورية والديموقراطية، ونحن الشعب المسلم الذي نشأ في الشؤون الخلقية، ويجب أن يعمل بالشؤون السياسية.

إن الديموقراطية ككل شيء إذا أرادت أن تنجح وأن تترعرع وأن تبقى راسخة في هذا البلد الأمين يجب أن تكون ديموقراطية في العمق وفي الشكل، فمن أخطر الأخطار أن نبقى متمسكين بالشكل والشكليات، وأن ننسى العمق والفلسفة والغايات، وهذه الروح يجب أن تكون سارية في كل عضو من أعضاء المجتمع المغربي نائبا كان أو وزيرا أو قاضيا أو رجل سلطة، وربما أولئك الذين لهم سلطة كيفما كان المنصب الذي يشغلونه هم الذين يجب عليهم أن يعطوا المثال وأن يكونوا دائما عند التطبيق يرجعون، إلى ماذا؟ يرجعون إلى ما أراده المشرع أو ـ استسمح الله في المقارنة ـ أن يرجعوا إلى أسباب النزول، وأن يرجعوا إلى فلسفة ممن وضع ذلك القانون أو تلك القاعدة.

فإذا أصبح هناك حوار في ذهن كل واحد منا مع نفسه سهل بعد ذلك الحوار بين مشرع وبين منفذ، وبين وزير وبين ممثل، وبين جميع الطبقات المسؤولة على سير هذا البلد.
علينا أن نعلم حضرات السادة ـ وتعلمون هذا ـ أن الخطى التي خطوناها مرحلة مرحلة منها ما كانت خطى واسعة ومنها ما لم نحس بها أبدا، ولكن كان دائما مشيا حثيثا يرمي قبل كل شيء إلى أن لا يبقى أي مغربي في هذا البلد يمكن أن يقول لست مسؤولا ، فاللامركزية التي أردناها وبنيناها بحمد الله وشكره وقفنا على آثارها ومآثرها، تلك اللامركزية هي التي تجعل كل أحد في المغرب في أي ميدان كان يوما ما بعمل ما شارك في إنجاز مشروع ما.

وهكذا يجب أن يبقى سيرنا في المستقبل هذا السير، فالديموقراطية ليست ما يقرر في مجلسكم الموقر هذا، أو فيما يقرر على منصة الحكومة، الديموقراطية هي قبل كل شيئ شعور كل واحد على أنه مؤهل لأن يحمل على كتفيه جزءا ولو صغيرا من المسؤولية، وما أشرفها مسؤولية ولوكانت صغيرة، و كم هي " استاذ " هذه المسؤولية؟ وكم علمتنا التواضع، وعلمتنا النقذ الذاتي، وعلمتنا قبل كل شيئ أن نضع دائما انفسنا في محل المخاطب، وهذا هو سر الحوار، أن يضع الإنسان نفسه في محل المخاطب، يحاول أن يتقمص شخصيته وتفكيره وأهدافه، ولا يمكن أن يخطر ببالي ولو لحظة عين أنه إذا تقمصنا شخصية المحاور أننا سنجد فيها خليطا أبدا، أنا أنزه كل مغربي مغربي على أن لا يكون مغربيا حقا مئة في المئة يمكن أن يكون حاملا نظارات ترى بشكله وعلى حسب ما يعتقد هو الصواب، ولكن نية المغربي، أي مغربي كان، وإنما الأعمال بالنيات، لا يمكن أن تكون إلا نية مغربية وطنية دائما في مقدمة النضال للرفع من شأن البلد وشأن المواطنين.

وقبل ختام هذه الكلمة أريد حضرات النواب أن أذكركم أننا في السنة الماضية في مثل هذا اليوم كنا طرحنا عليكم أو كنا شاركناكم فيما يخامرنا من تفكير بالنسبة للقطاعين العمومي والشبه العمومي، وفي الأشهر المقبلة ستتم الدراسة، ونظرا لأهمية هذه المشكلة ونظرا لطابعها المصيري، قررنا أن نفتح شخصيا الدورة البرلمانية المقبلة الربيعية لا لنطلب منكم ولا لندافع عن مشروع، بل لنقول لكم خذوا وقتكم، أدرسوا هذا القانون في الإطار الذي سيكون منعطفا، وآنذاك سندخل في المسطرة القانونية التي تقتضي أن تدرسها الحكومة وترفعها إلى نظركم السديد، ولنا اليقين بأنه حينما سترون ما ستعرض عليكم، ستكون لكم الشجاعة الكافية للإدلاء بالرأي غير المطبوع بالحساسية، الرأي العلمي تقريبا الذي لا يتكيف بهذا ولا بذاك، وإنكم سترفعون إلينا ما ترونه صالحا أو غير صالح في ذلك المشروع.

قلت وكررت وما زلت أكرر أنه بالنسبة لعبد الله الضعيف خادم المغرب الأول عبد ربه ليس هناك فصل السلط، أنا أبو الجميع، أبو المشرع، أبو المنفذ، أبو الصغير و أبو الكبير، وأبو القوي وأبو الضعيف، فمنذ أن افتتحنا هذا البرلمان وأنا أنتظر كل يوم منكم رفع ملتمس ولو مرة في السنة أو مرتين، كما يطلب وزيري الذي هو منفذ اللقاء أو الإجتماع بي ليطرح علي اختيارا بين مشاكل ومشاكل، فأنا كنت دائما أقول لكم: أن بابي مفتوح، وأن الملتمسات التي تبقى في بعض الأحيان حبرا على ورق حينما تكون تلك الملتمسات ذات أهمية أنا مستعد لدراستها وإياكم، وهذا واجبي الأول، لأنكم كلكم سواء من في الحكومة أو من في البرلمان تعملون قبل كل شيئ كرجل واحد لإسعاد هذه الدولة ولإسعاد هذا الوطن.

فالله سبحانه وتعالى أسأل أن يديم علينا نعمة الحوار وما يترتب عليه، وأن يجعل أبناءنا وحفدتنا مؤمنين راسخين بديموقراطيتهم وبمكاسبهم الدستورية حتى يمكنهم دائما جماعات جماعات أن يسيروا بهذا البلد الأمين وهذا الشعب الشريف النبيل إلى ما يستحقه من عزة ورفاهية، وقبل كل شيئ من أمن وطمأنينة.

(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب)

والسلام عليكم ورحمة الله