تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الرباط 10/10/1986 :خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1986-1987

10/10/1986

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات النواب:
إنني كلما افتتحت هذه الجلسة لمجلسكم الموقر خامرني اعتزاز وعدم قناعة، اعتزاز لأننا في ظرف أشواط قصيرة قطعنا سياسيا وديموقراطيا مسافة طويلة، وغير قانع لأنني أريد أن تكون الديموقراطية المغربية وفي هذا المجلس بالذات أكثر حيوية، بمعنى أن تكون مناقشاتها صائبة، ولو كانت في بعض الأحيان صاخبة، وأن يكون الحوار ثم الحوار ولا شيء إلا الحوار، هو أساس التعامل بين الفرق فيما بين مجلسكم الموقر وبين حكومتنا .
وغير خاف عليكم حضراه النواب أننا في مفترق الطرق، لانه في الست سنوات المقبلة سيعاد انتخاب هذا المجلس، وسيقارن إعادة انتخاب المجلس ظرفا من الزمن لا يمكن فيه أبدا أن غلطنا أن نتراجع عن أغلاطنا وان نحن أصبنا أن نقف دون أن نلحق الهدف كل الهدف في عمقه وفي روحه .
ففي هذه المدة سنقرر بمشيئة الله سبحانه وتعالى مدى مشاركتنا في القرن المقبل، وسنقرر نحن كيف سنطل على العالم الجديد وفي خضم سباقه، اين نحن وفي أية مرتبة سيكون المغرب بين المتسابقين وبين المتنافسين؟
نعم كل عمل بشري هو عمل متصف بالنقصان، لأن الكمال لله، ولكن هناك خصلة في نظري تداوي كل العجز البشري وتحمينا من النقصان تلك الخصلة هي النزاهة، فإذا نحن كنا متمسكين بالوطنية وبالنزاهة ، فإننا سنجد ـ كيفما كان تقصيرنا لأننا بشر وكيفما كانت أغلاطنا لأننا بشر ـ في النزاهة وفي الوطنية ما يكون لنا شفيعا بالنسبة لضمائرنا، وشفيعا بالنسبة لأبنائنا وحفدتنا.
وهناك حضرات السادة المنتخبين ثلاث نقط أريد أن اركز عليها في هذا المجلس، كما أنني أريد أن تجعل منها حكومتنا برنامجها الأول والأساسي، ذلك البرنامج الذي سيعرضه عليكم وزيرنا الأول خلال الأسبوع المقبل.
وهذه النقط الثلاث هي التالية:
ـ أولا: علينا أن نرى في مشكلة التعليم.
ـ ثانيا: علينا أن نتسلح في العشر سنوات المقبلة بالاكتفاء الذاتي في ميدان التغذية.
ـ ثالثا: علينا أن نطهر جهازنا وبالأخص جهاز المكاتب او المؤسسات الشبه العمومية حتى نتمكن أولا من أن نخلق المنافسة، وثانيا ان نوفر المال، وسأدخل في هذه التفاصيل.
ابدأ بقضية التعليم، يقول الحكماء: إنما الأمور بخواتمها. وأنا أقول بالنسبة للتعليم وبكل تواضع: أن التعليم ببدايته، فالتعليم كل كامل لا يتجرأ. اجل يمكن تجزئته إلى ثلاث أجزاء: ابتدائي وثانوي وعالي، فكما بدأ الابتدائي من حيث اختيار البرامج، واختيار الاختيارات سينعكس ذلك على الثانوي وعلى الجامعي، فما هو منطلقنا في اختيارنا؟
منطلقنا يرتكز على عاملين اثنين:
المغرب دينه الإسلام ولغته العربية كما هو في الدستور، فعلينا إذن أن ننطلق من هذين المنطلقين حتى نحافظ على أصالتنا ونبقى متشبثين بديننا وعاملين بالسنة والجماعة، وأن نشد بقوة على وحدة مذهبنا المالكي.
علينا أن نربي أبناءنا على استظهار كتاب الله الكريم، وأن نربيهم على العلم والأخذ من سنة النبي الكريم، وعلينا أن نفقههم في أصول الدين حتى لا يصبحوا فريسة غير مسلحة بين أيدي المشعوذين أهل الخرافات، وعلينا أن نعلمهم ثقافتنا العامة لأن العرب والمسلمين لهم ثقافة عامة سواء في الرياضيات أو في الطب أو الفلسفة أو في الأدب أو الاشتقاق او في اللغة او القصص أو في الملاحم أو جميع الأنواع والأصناف التي تكون الثقافة العامة.
إذن هذا هو المنطق الأول. والثاني، يقول بيسمارك الذي كان يعد في القرن الماضي وما زال يعد من فطاحل الساسة الأوربيين ولا أقول الألمانيين فقط، سأحاول ترجمة فكرته: إن التاريخ مكون من عناصر شتى منها ما يتغير إما في نوعه وإما في حجمه، ولكن هناك شيء أساسي في التاريخ لا يتغير، هو الموقع الجغرافي.
فانطلاقنا إذن لبناء التعليم ولتخطيط التعليم يجب كذلك أن يأخذ بعين الاعتبار المكان الجغرافي الذي حبا الله سبحانه به هذا البلد الأمين، فإذا نحن رأيناه على الخريطة نرى أن مدينة الرباط هي الوسط بين إنجلترا وبين السنغال، وهي الوسط بين بلجيكا وبين موريطانيا وهي الوسط بين ألمانيا وموريتانيا ومالي، هذا فيما يخص شمال جنوب، وفيما يخص شرق غرب نجد أن الشرق الأقصى للبحر الأبيض المتوسط من طنجة على ذلك الحد الأقصى نفس المسافة من طنجة إلى سواحل القارة الأمريكية، هذا شيء قار لا يتغير ولن يتغير، وما اختار الله سبحانه هذا الاختيار عبثا، بل اختاره للمغرب لشيئين: ليكون للمغرب امتحانا ومحنة، لأن الامتحان يتطلب التجنيد المستمر، والمحنة يجعل الله سبحانه وتعالى دائما في طيها نعمة .
وموقعنا الجغرافي يلزمنا أن نشرئب إلى أوربا، ويلزمنا أن لا نترك خلفنا إخواننا وشركاءنا في تاريخ المغرب، وهم الأفارقة، ومن ثم حتى إذا انتهينا من الصلاة وقلنا السلام عليكم وأدرنا رأسنا إلى اليمين، لا ننسى واجباتنا وارتباطاتنا بالشمال، وحينما ندير وجهنا إلى اليسار لا ننسى ما علينا أن نكتنزه وان نتعلمه من تكنولوجية ومن علوم تمكننا من أن نخوض المعارك المقبلة مسلحين غير منقوصين، فلهذا وكما أقول دائما هناك ميدانان يجب الإصلاح فيهما والتفقد لهما في كل خمس أو ست سنوات، ألا وهما ميدان التعليم والميدان الفلاحي، فالفلاحة ووسائلها وأهدافها وما يحيط بها من مشاكل اجتماعية وبشرية وجماعية، وما يحيط بها كذلك من الحفاظ على التوازن بين القرى والمدن، كل ذلك يقتضي منا ان نعيد النظر في أهدافها وفي أساليبها بعد كل خمس أو ست سنوات، والتعليم هو كذلك من واجبنا ألا نقول سننظر في إصلاح التعليم وننام على ذلك الإصلاح مرتاحين متكئين، لأن كل إصلاح للتعليم ينتظره إصلاح من بعد في كل خمس أو ست سنوات لأننا لا نتعلم لأنفسنا، نتعلم لأن نكون، لأن نروج في السوق العالمية، العلمية، فعلينا إذن أن نأخذ دائما بعين الاعتبار المناخ الجهوي والقاري والعالمي، لذا نناشدكم الله جميعا من جهاز تشريعي وتنفيذي، لنأخذ منكم عهدا على أنكم ستنكبون على هذا الموضوع بكل نزاهة وبكل وطنية.
وسأطلب من كل الأحزاب الممثلة في هذا البرلمان أن تختار شخصين من بينها حتى يكونوا ـ مع أفراد الحكومة الذين سأعينهم شخصيا ـ لجنة دائما وقارة لوضع مناهج التعليم وبرامج التعليم، وكلما أتمت هذه اللجنة جزءا من أجزاء هذا البرنامج عليها أن تتقدم به أمام لجنة التعليم التي هي في البرلمان حتى لا نخطو خطوة إلا ونحن آخذون بعين الاعتبار جميع الآراء وجميع التيارات.
فلذا نحن لا نخطط، وهذه اللجنة لن تخطط لمستقبل سياسي او لأغراض حزبية، هي ستخطط لأبنائنا، فلهذا اعتقد أن من كان وطنيا ومن منكم ليس وطنيا؟ لا فرق بين الوطنية والمواطنة، ونعتقد أن المواطن وطني، ولكن من منكم هنا غير وطني؟
إن شعبنا العزيز استخلفكم لتمثلوه هنا، فلهذا اعتمد على وطنيتكم ونزاهتكم حتى يمكننا على الأقل في السنة المقبلة في هذا الموسم أن نكون قد تراجعنا عن الأغلاط التي ارتكبناها، وهنا يجب أن نكون متحلين بالشجاعة وأن نبني المستقبل لا هدف لنا إلا أن يكون المغربي أو المغربية عملة يتعامل بها في السوق العلمية والتقنية العالمية.
النقطة الثانية: إن الله سبحانه وتعالى حبانا ـ في جملة ما حبانا به ـ بفلاحة لا بأس بها، بل أقول ممتازة، وفي السنة الماضية لما نزلت الأمطار الغزيرة كأنه سبحانه وتعالى أراد أن يرينا أننا بإمكاننا أن نكتفي ذاتيا من ناحية الحبوب، إذا نحن رأينا المواد التي نستجلبها من الخارج نجد من المواد الأساسية غير الحبوب السكر والزيوت وبالأخص زيت الزيتون، السكر لم يبق بيننا وبينه إلا تقريبا بين 35 أو 40 في المائة ، نحن ننتج الآن ستين في المائة ولكن أربعين في المائة تكون جزءا مهما جدا من العملة الصعبة التي نحن في حاجة إليها لشيء آخر من غير الاستهلاك، أما الزيت وبالأخص زيت الزيتون فنحن حقيقة فقراء أمام الله، لمذا؟
لا أريد هنا أن أعدد الأسباب التي جعلتنا لم ننتبه إلى هذا، المهم عندنا هو أن المغرب هو الذي تباع زيته ـ زيت الزيتون ـ بثمن يضرب الرقم القياسي في العالم والحالة أن تلك الشجرة المباركة ليست شرقية ولا غربية، تلك الزيتونة المذكورة في القرآن هي من النباتات التي تدل على الحضارة، تلك الزيتونة لا تطلب من الشيء الكثير كلما قل الماء امتاز زيتها، لا تتطلب تربة مهيأة ولا تتطلب مناخا خاصا، بل هي شجرة تضيء، و فعلا تضيء، المساجد كانت تضاء بها وتغذي وتصلح للحطب، ولا تتطلب الكثير من الماء، ولا تتيه علينا لنختار لها من التراب أو من التربة ما يليق لها.
إذن علينا أن نبقى على الانطلاقة التي انطلقنا بها فيما يخص الحبوب، وها أنتم رأيتم أنه زيادة على الأمطار التي هطلت هذه السنة ـ وشكرا لله وحمدا ـ المغرب يتوفر على المياه الجوفية والأكثر من الجوفية.
وقد قررنا زيادة على هذا ابتداء من السنة المقبلة حتى نصل إلى سنة ألفين ـ ولا تفصلنا عنها سوى أربع عشرة سنة ـ أن نبني سدا كل سنة، وحين أقول في كل سنة سدا لا أجازف ، فهذه السدود دراساتها موجودة، ومكان إقامتها مدروس بقي مشكل تمويلها، تمويل مثل هذه المشاريع لن نجد أية صعوبة في المجال الدولي لنجلب ما يمكننا أن نشيد به هذه السدود.
فإذن كل سنة سد إلى سنة ألفين، نحاول أن نزيد من مصانع السكر حتى نغطي ثلاثين في المائة أو خمسة و ثلاثين، نتعاطى في الحين غرس الزيتون والنظر إلى المدهونات، فإذا نحن وفرنا هذه المواد الثلاث التي تثقل كاهلنا تمكننا آنذاك أن نرفه على الموظفين، وتمكننا آنذاك أن نزيد في الأجور، وتمكننا آنذاك أن نتعاطى حقيقة للاستثمارات الاجتماعية المحضة لأنه سيكون الفائض، أما أن نتعاطى للاستثمارات الاجتماعية التي ليس لها دخل ونحن فارغون فسيكون ذلك نوعا من الانتحار والتناقض، فلنخلق إذن ثروتنا بأيدينا، وهذا بيدنا وهذه هي النقطة الثانية التي قلت لكم : إن دراستكم لها فيما بقي من مدة انتدابكم هنا سيكون إما منعطفا إيجابيا فاتحا لنا باب الإكتفاء الذاتي وإما سنتقهقر بست سنوات بل بعشرات السنوات.
وهذه النقط الثلاث هي التالية:
أولا: علينا أن نرى في مشكلة التعليم.
ثانيا : علينا أن نتسلح في العشر سنوات المقبلة بالاكتفاء الذاتي في ميدان التغذية.
ثالثا : علينا أن نطهر جهازنا وبالأخص جهاز المكاتب او المؤسسات الشبه العمومية حتى نتمكن أولا من أن نخلق المنافسة، وثانيا ان نوفر المال، وسأدخل في هذه التفاصيل.
ابدأ بقضية التعليم، يقول الحكماء: إنما الأمور بخواتمها. وأنا أقول بالنسبة للتعليم وبكل تواضع: أن التعليم ببدايته، فالتعليم كل كامل لا يتجرأ. اجل يمكن تجزئته إلى ثلاث أجزاء: ابتدائي وثانوي وعالي، فكما بدأ الابتدائي من حيث اختيار البرامج، واختيار الاختيارات سينعكس ذلك على الثانوي وعلى الجامعي، فما هو منطلقنا في اختيارنا.
منطلقنا يرتكز على عاملين اثنين:المغرب دينه الإسلام ولغته العربية كما هو في الدستور، فعلينا إذن أن ننطلق من هذين المنطلقين حتى نحافظ على ونبقى متشبثين بديننا وعاملين بالسنة والجماعة، وأن نشد بقوة على وحدة مذهبنا المالكي أصالتنا.
علينا أن نربي أبناءنا على استظهار كتاب الله الكريم، وأن نربيهم على العلم والأخذ من سنة النبي الكريم، وعلينا أن نفقههم في أصول الدين حتى لا يصبحوا فريسة غير مسلحة بين أيدي المشعوذين أهل الخرافات، وعلينا أن نعلمهم ثقافتنا العامة لأن العرب والمسلمين لهم ثقافة عامة سواء في الرياضيات أو في الطب أو الفلسفة أو في الأدب أو الاشتقاق او في اللغة او القصص أو في الملاحم أو جميع الأنواع والأصناف التي تكون الثقافة العامة. إذن هذا هو المنطق الأول. والثاني، يقول بيسمارك الذي كان يعد في القرن الماضي وما زال يعد من فصاحل الساسة الأوربيين ولا أقول الألمانيين فقط، سأحاول ترجمة فكرته: إن التاريخ مكون من عناصر شتى منها ما يتغير إما في نوعه وإما في حجمه، ولكن هناك شيء في أساسي في التاريخ لا يتغير، هو الموقع الجغرافي.
فانطلاقنا إذن لبناء التعليم ولتخطيط التعليم يجب كذلك أن يأخذ بعين الاعتبار المكان الجغرافي الذي حبا الله سبحانه به هذا البلد الأمين، فإذا نحن رأيناه على الخريطة نرى أن مدينة الرباط هي الوسط بين إنجلترا وبين السنغال، وهي الوسط بين ألمانيا وموريتانيا ومالي، هذا فيما يخص شمال جنوب، وفيما يخص شرق غرب نجد أن الشرق الأقصى للبحر الأبيض المتوسط من طنجة على ذلك الحد الأقصى نفس المسافة من طنجة إلى سواحل القارة الأمريكية، هذا شيء قار لا يتغير ولن يتغير، وما اختار الله سبحانه هذا الاختيار عبثا، بل اختاره للمغرب لشيئين: ليكون للمغرب امتحانا ومحنة، لأن الامتحان يتطلب التجنيد المستمر، والمحنة يجعل الله سبحانه وتعالى دائما في طيها نعمة.
وموقعنا الجغرافي يلزمنا أن نشرئب إلى أوربا، ويلزمنا أن لا نترك خلفنا إخواننا وشركائنا في تاريخ المغرب، وهم الأفارقة، ومن ثم حتى إذا انتهينا من الصلاة وقلنا السلام عليكم وأدرنا رأسنا إلى اليمين، لا ننسى واجباتنا وارتباطاتنا بالشمال، وحينما ندير وجهنا إلى اليسار لا ننسى ما علينا أن نكتنزه وان نتعلمه من تكنولوجية ومن علوم تمكننا من أن نخوض المعارك المقبلة مسلحين غير منقوصين، فلهذا وكما أقول دائما هناك ميدانان يجب الإصلاح فيهما والتفقد لهما في كل خمس أو ست سنوات، ألا وهما ميدان التعليم والميدان الفلاحي، فالفلاحة ووسائلها وأهدافها وما يحيط بها من مشاكل اجتماعية وبشرية وجماعية، وما يحيط بها كذلك من الحفاظ على التوازن بين القرى والمدن، كل ذلك يقتضي منا ان نعيد النظر في أهدافها وفي أساليبها بعد كل خمس أو ست سنوات، والتعليم هو كذلك من واجبنا ألا نقول سننظر في إصلاح التعليم وننام على ذلك الإصلاح مرتاحين متكئين، لأن كل إصلاح للتعليم ينتظره إصلاح من بعد في كل خمس أو ست سنوات لأننا لا نتعلم لأنفسنا، نتعلم لأن نكون، لأن نروج في السوق العالمية، العلمية، فعلينا إذن أن نأخذ دائما بعين الاعتبار المناخ الجهوي والقاري والعالمي، لذا نناشدكم الله جميعا من جهاز تشريعي وتنفيذي، لنأخذ منكم عهدا على أنكم ستنكبون على هذا الموضوع بكل نزاهة وبكل وطنية.
وسأطلب من كل الأحزاب الممثلة في هذا البرلمان أن تختار شخصين من بينها حتى يكونوا ـ مع أفراد الحكومة الذين سأعينهم شخصيا ـ لجنة دائما وقارة لوضع مناهج التعليم وبرامج التعليم، وكلما أتمت هذه اللجنة جزءا من أجزاء هذا البرنامج عليها أن تتقدم به أمام لجنة التعليم التي هي في البرلمان حتى لا نخطو خطوة إلا ونحن آخذون بعين الاعتبار جميع الآراء وجميع التيارات.
فلذا نحن لا نخطط، وهذه اللجنة لن تخطط لمستقبل سياسي او لأغراض حزبية، هي ستخطط لأبنائنا، فلهذا اعتقد أن من كان وطنيا ومن منكم من ليس وطنيا؟ لا فرق بين الوطنية والمواطنة، ونعتقد أن المواطن وطني، ولكن من منكم هنا غير وطني؟
إن شعبنا العزيز استخلفكم لتمثلوه هنا، فلهذا اعتمد على وطنيتكم ونزاهتكم حتى يمكننا على الأقل في السنة المقبلة في هذا الموسم أن نكون قد تراجعنا عن الأغلاط التي ارتكبناها، وهنا يجب أن نكون متحلين بالشجاعة وأن نبني المستقبل لا هدف لنا إلا أن يكون المغربي أو المغربية عملة يتعامل بها في السوق العلمية والتقنية العالمية.
النقطة الثانية: إن الله سبحانه وتعالى حبانا ـ في جملة ما حبانا به ـ بفلاحة لا بأس بها، بل أقول ممتازة، وفي السنة الماضية لما نزلت الأمطار الغزيرة كأنه سبحانه وتعالى أراد أن يرينا أننا بإمكاننا أن نكتفي ذاتيا من ناحية الحبوب، إذا نحن رأينا المواد التي نستجلبها من الخارج نجد من المواد الأساسية غير الحبوب السكر والزيوت وبالأخص زيت الزيتون.
السكر لم يبق بيننا وبينه إلا تقريبا بين 35 أو 40 في المائة ، نحن ننتج الآن ستين في المائة ولكن أربعين في المائة تكون جزءا مهما جدا من العملة الصعبة التي نحن في حاجة إليها لشيء آخر من غير الاستهلاك، أما الزيت وبالأخص زيت الزيتون فنحن حقيقة فقراء أمام الله، لمذا؟
لا أريد هنا أن أعدد الأسباب التي جعلتنا لم ننتبه إلى هذا، المهم عندنا هو أن المغرب هو الذي تباع زيته ـ زيت الزيتون ـ بثمن يضرب الرقم القياسي في العالم والحالة أن تلك الشجرة المباركة ليست شرقية ولا غربية، تلك الزيتونة المذكورة في القرآن هي من النباتات التي تدل على الحضارة، تلك الزيتونة لا تطلب من الشيء الكثير كلما قل الماء امتاز زيتها، لا تتطلب تربة مهيأة ولا تتطلب مناخا خاصا، بل هي شجرة تضيء، و فعلا تضيء، المساجد كانت تضاء بها وتغذي وتصلح للحطب، ولا تتطلب الكثير من الماء، ولا تتيه علينا لنختار لها من التراب أو من التربة ما يليق لها.
إذن علينا أن نبقى على الانطلاقة التي انطلقنا بها فيما يخص الحبوب، وها أنتم رأيتم أنه زيادة على الأمطار التي هطلت هذه السنة ـ وشكرا لله وحمدا ـ المغرب يتوفر على المياه الجوفية والأكثر من الجوفية.
وقد قررنا زيادة على هذا ابتداء من السنة المقبلة حتى نصل إلى سنة ألفين ـ ولا تفصلنا عنها سوى أربع عشرة سنة ـ أن نبني سدا كل سنة، وحين أقول في كل سنة سدا لا أجازف ، فهذه السدود دراساتها موجودة، ومكان إقامتها مدروس بقي مشكل تمويلها، تمويل مثل هذه المشاريع لن نجد أية صعوبة في المجال الدولي لنجلب ما يمكننا أن نشيد به هذه السدود.
فإذن كل سنة سد إلى سنة ألفين، نحاول أن نزيد من مصانع السكر حتى نغطي ثلاثين في المائة أو خمسة و ثلاثين، نتعاطى في الحين غرس الزيتون والنظر إلى المدهونات، فإذا نحن وفرنا هذه المواد الثلاث التي تثقل كاهلنا تمكننا آنذاك أن نرفه على الموظفين، وتمكننا آنذاك أن نزيد في الأجور، وتمكننا آنذاك أن نتعاطى حقيقة للاستثمارات الاجتماعية المحضة لأنه سيكون الفائض، أما أن نتعاطى للاستثمارات الاجتماعية التي ليس لها دخل ونحن فارغون فسيكون ذلك نوعا من الانتحار والتناقض، فلنخلق إذن ثروتنا بأيدينا، وهذا بيدنا وهذه هي النقطة الثانية التي قلت لكم: إن دراستكم لها فيما بقي من مدة انتدابكم هنا سيكون إما منعطفا إيجابيا فاتحا لنا باب الإكتفاء الذاتي وإما سنتقهقر بست سنوات بل بعشرات السنوات.
النقطة الثالثة: كما تعلمون حضرات النواب، في كل بلد توجد مؤسسات شبه عمومية ونسميها نحن مكاتب.
حينما التحق والدي رحمة الله عليه سيدي محمد الخامس طيب الله ثراه بربه في آخر سنة 1961 طلبت من وزيرنا وأستاذنا وفقيهنا الحاج محمد ابا حنيني الذي كان آنذاك أمينا عاما للحكومة أن يعطيني عدد هذه المؤسسات، فبعد البحث والكد والمراجعة أجابني في رسالة: نعم سيدي اعزك الله، مكتب كذا وكذا، ووصل إلى 81 وختم والله اعلم، والوثيقة مازالت عندي في الديوان. والآن أجرينا إحصاءا فوجدنا 300 مكتب.
المهم ليس هذا، المهم هو أننا نظرنا إلى تسيير هذه المكاتب واعتبر أن الرجل الجدي هو الذي لا يتخوف من الأرقام ، سأعطيكم رقما لتعرفوا كم تكلفنا هذه المؤسسات الشبه العمومية سنويا من الإعانات، أنها تكلفنا 400 مليار سنتم في السنة. أرجو أن لا يكون هذا الرقم مثبطا للعزائم، ولكن الحقيقة هي هذه كلفتنا هذه المصالح والمؤسسات الشبه العمومية إعانة أو تسديدا لتسييرها أو تسديد لديونها بين 400 و450 مليار سنويا.
أليس من العار والجهالة الجهلاء أن نكون في حاجة ماسة إلى السيولة وإلى المال للرفع من مستوى شعبنا وسكاننا ونحن نسدد سنويا إما للعجز وإما للتسيير 400 مليار سنتيم، هذا النوع من التصرف هو الذي إذا نحن بقينا عليه سيعرضنا ـ لا قدر الله ـ إلى زوال النعم التي حبانا بها الله، فمن لم يشكر كمن يبذر، من لم يشكر النعم تعرض لزوالها، ومن بذر النعم تعرض كذلك لزوالها، لذا قررنا ـ وهذا أقوله لكم وعليكم أن تراقبوا في هذا الميدان جهازنا التنفيذي ـ أن نضع لجنة ستنظر في هذا الميدان بكل شجاعة واقدام وقساوة، لا أقول: إننا عند انتهاء المطاف سنسترجع 400 مليار سنتيم كل سنة، لا، لأن هناك مكاتب أو مصالح شبه عمومية لا يمكن أن تباع في السوق الخاصة والتي كيفما كان الحال يجب على الدولة الأخذ بيدها وإعانتها، ولكن أعتقد شخصيا أنه يمكننا في السنة الأولى أن نضع في خزينة الدولة ثمانين مليارا من أربعمائة مليار.
يقول وزير المالية، انه في السنة الأولى يمكننا أن نضع في خزينة الدولة ثمانين مليارا من أربعمائة مليار، وأنا أقول له علينا أن نضع في السنة المقبلة مئتي مليار في خزينة الدولة من الأربعمائة مليار هاته التي تصرف، ولكن هذا يقتضي شيئا واحدا مهما، فوزير المالية ليس إلا رجلا كجميع الرجال، وليس إلا خادما لهذا البلد مثلنا جميعا، فإذا لم يجد بجانبه الإعانة اللازمة عند جميع المواطنين كانوا حكومة أو برلمانا فلن يكون بإمكانه أن ياتينا ببشرى 80 مليار في السنة المقبلة و 200 مليار في السنة التي تليها.
فعليكم إذن المعول أن تنظروا معه في هذا المشكل وأن تعينوه، لأن عوائد اتخذت في هذه المكاتب، وقلاعا شيدت، وأسرا ربيت من أبيها إلى حفيدها في هذه المكاتب، فسوف نجد معارضة بل مقاومة شديدة أمامنا، ولكن علينا أن نسير بالتي هي أحسن بالمرونة ولكن بالحدة، لأن في بعض الأحيان إذا كان التداوي في غير محله فالمريض يزيد مرضا أو يموت.
فنحن نريد الاصطلاح قبل كل شيء، فلهذا أريد أن يكون برنامج حكومتنا بالطبع مع جميع الميادين الأخرى، وأن يكون مبنيا على هذه الركائز الثلاث: النظر في مناهج التعليم انطلاقا من أصالتنا ومن موقعنا الجغرافي، وثانيا أن ننظر إلى الاكتفاء الذاتي لترويج العمل في البداية ولتكبير السوق بها للاحتفاظ بالعملة الصعبة، جاعلين من عملنا هذا الأساس، كنا في السنين الأخرى نقول مليون هكتار، واليوم مليون هكتار أصبح على وشك التحقيق، فعلينا أن نقول سد في السنة، وثالثا النظر بإمعان والدراسة بجد وسكينة ونزاهة لإعادة النظر في تسيير مؤسساتنا الشبه العمومية.
حضرات السادة نوابا ووزراء:
قطع المغرب منذ أربعة عشر قرنا أشواطا وأشواطا، ومن قرأ تاريخ المغرب منذ المولى ادريس الأول إلى يومنا هذا كلما انتهى من فقرة يسأل السؤال : كيف بقي المغرب واقفا؟ فعلا، ربما المغرب من الدول العريقة التي هزتها أعاصير التاريخ ولكن تلك الأعاصير كانت أولا لتقوية عضلاتنا، وثانيا لتطهيرنا مما لا يصلح لنا.
وهذه مرحلة جديدة نحن في اقتبال القرن المقبل، فلنستعن بأنفسنا وبنظرتنا الشمولية وبخيال لا يكون خيال الشاعر، ولكن خيال الوطني الطموح حتى نلتقي مع القرن المقبل ونحن في سعة ونحن في ثقة بأنفسنا، تلك الثقة التي حينما يراها أبناؤنا في أعيننا ويقرأونها على وجوهنا سيصبحون مسلحين أكثر وأكثر لأن يعملوا اكثر منا واكثر.
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، انك أنت الوهاب)
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.