تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الرباط 11/10/1996 :خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1996-1997

10/10/1996

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات النواب المحترمين:

في الخطب التي ألقيناها انفا أي في الشهور الماضية كنتم دائما تسمعون أننا نؤكد ونركز على كلمتين هما الحوار والتراضي ذلك لأنه لا يمكن للإنسان أن يصل إلى التراضي إلا إذا كان الحوار.

إن كلمة التراضي في ضوء ما أنتم مقبلون عليه من أعمال واختيارات وقرارات لها معنى ابعد واعمق من المعنى المألوف فما معنى التراضي..أن معناه هو الاجتماع حول فلسفة والاجتماع حول مذهب أو مذهبية والاجتماع حول هدف وما أكثر ما نحن في حاجة إليه من اجتماع في الرأي والتحليل والاختيار ونحن مقدمون على تأسيس ما نسميه بالجهة.

إن ذلك يمكن فهمه بسهولة إنكم رأيتم معشر النواب وبالأخص الذين هم منكم منتخبون في المجالس البلدية كم هي صعبة إدارة المجالس وكم لها من أودية متفرقة متشعبة ولا سيما إذا كانت الحاجة إلى المادة والى المال.

فناهيكم عما نحن مقبلون عليه في ما يخص تنصيب الجهة وتأسيس الجهة وبنيان الجهة وتدريب الجهة وتسييرها على أن تصل إلى ما نريد أن نصل إليه.

والحالة هذه أنكم تعرفون بلدكم كما اعرفه فجهاتنا مع الأسف ليست متوازنة لا بالنسبة للخيرات البشرية ولا المادية فمنها ما هو غني فوق الغنى ومنها ما هو فقير جدا أو محتاج إلى أن نبحث عن كنوز آتاها الله تلك الجهة ولكن لا زالت مفتقرة إلى تلك الخيرات.

فلذا حينما ستطرح عليكم القوانين المنظمة للجهة أريدكم أن تنظروا إليها بهذا النوع من التراضي بمعنى استراتيجية موحدة فكلنا مغاربة وكلنا وطنيون نريد أن تكون الجهة كما نريد أن تكون بعد عشر سنوات أو خمس عشرة سنة.

ولكن الآن كيف يجب أن تكون لتصل إلى ذلك المنتهى. هذا هو معنى التراضي أي التراضي بمعنى الرؤية الموحدة والطموح المشترك والتحليل الواقعي الذي لا يخضع لا لديماغوجية ولا لجهل مركب التحليل الواقعي لجهاتنا وما نريد أن تكون عليه ولا سيما أنني انتظر من تلك الجهات الشيء الكثير. وعندما أقول أنا وأعوذ بالله من قول أنا..أقصد المغرب..إن المغرب الذي لا نهاية له إلا حينما يريد الله ذلك محتاج إلى تلك الجهات وإن لم يكن إلا لسبب واحد هو الآتي ...هو أنه محتاج إلى تلك المدارس التكوينية التي ستعطيه رجالات يعرفون فيدبرون فيحسنون التدبير رجالات يعيشون جنبا لجنب مع واقع جهتهم ويتصرفون فيها احسن تصرف. ويخططون لها احسن تخطيط وادقه ويعلمون ما هم مقبلون عليه من مسؤولية اقتصادية واجتماعية هذا ما ينتظره المغرب من الجهات.

فستكون الجهات بالنسبة للمدرسة العليا التي نحن فيها هنا أو في الحكومة التي هي مدرسة عليا أخرى ستكون الجهة تلك المدرسة المرحلية وتلك المدرسة التطبيقية وذلك التكوين المهني لا على مستوى مدينة واحدة أو قرية صغيرة بل على مستوى جهة فيها ملايين وملايين السكان وفيها ملايير وملايير التجهيزات منها ما هو فوق الأرض ومنها ما هو تحت الأرض.

إن هذه الجهات هي التي ستعطي للمغاربة المقبلين الورقة والشهادة لان يكونوا رجال الدولة أقول لان يكونوا رجال دولة ورجال عمل ورجال تحليل ورجال تفكير ورجال تخطيط.

هذا من ناحية الجهة وما اعني في ما يخص التراضي بقيت الآن الكلمة الأخرى التي ذكرتها في خطاباتي ألا وهي التراضي في ما يخص القوانين الانتخابية.

فهنالك كذلك يجب أن يكون التراضي راميا على ما نريده فنحن نرى وبلدنا فيه 26 أو 27 مليون من السكان نرى من البلدان من هي أقل منا حجما ومن هي تساوينا حجما ومن هي اكبر منا حجما ولها ثلاثون أو أربعون أو ستون حزبا فهل نريد نحن هنا في المغرب باختيارنا للقوانين الانتخابية أن ننغمس وان نهوى في تعددية تصل إلى 40 و 50 حزبا.

هل من مصلحتنا في ديموقراطيتنا أن نجعل التناوب ليس التناوب الحقيقي بل التناوب بزيادة ثلاثة أو أربعة أصوات هنا أربعة أصوات هنا وخمسة أصوات هناك..فالتناوب الذي أريده لهذا البلد والذي تريدونه حقيقة لهذا البلد هو التناوب بين شقين لا أقول حزبين بل بين مجموعتين ووسط حتى إذا ركبنا سيارة التناوب جاءنا ذلك التناوب بأفكار جديدة وبمنهجية جديدة وبأسلوب جديد وبرجال جدد. وهكذا يكون التناوب أداة ديموقراطية وفعالة فكلما اشتاق البلد إلى أن نستنشق هواء جديدا رفع يده نحو التناوب فجاءه ذلك التناوب بهواء جديد ومناخ جديد ووجوه جديدة وفلسفة جديدة ومنهجية جديدة . هذا شريطة أن نكون بين شقين أي بين جماعتين ولديهما وسط..وسط يجعل أن الأمور تسير كما جاء في القرآن " ادفع بالتي هي أحسن " وتجعل أن الميكانيكية يمكنها أن تشتغل دون أي عطب في ما يخص ميكانيك التناوب إذن هنا ارجع إلى التراضي بمعنى الانشغال بهدف واحد هو...هل نريد هذا التناوب المضبوط وهذا التناوب المجدي وهل نريد أن نبقى بأحزاب عددها لا بأس به أم نريد أن تطغى على ذلك التناوب جماعات وجماعات جماعية تكون طفيلية لا تغني من جوع ولا تأتي بجدوى ولا تمثل التناوب وذلك بخلق عدد كبير من الأحزاب السياسية كما نرى ذلك في بعض الدول التي تشبهنا من ناحية السكان ولها فوق الأربعين حزبا.

هذه..حضرات المنتخبين الأعزاء ..هي أفكاري التي أردت أن أطرحها عليكم قبل أن أطرحها على الأحزاب السياسية حيثما أقتبلهم بكيفية مفصلة وبكيفية أدق ذلك لأنني كما قلت لكم سأفتح حتى أنا من جهتي بحوار وسأحاول مما لاشك فيه مع من يحاورني أن نصل إلى ما يمكن أن يعطي لكلمة التراضي لا فيما يخص قانون الجهة ولا فيما يخص قانون الانتخابات ما ننتظره من عمق ورسوخ.

إننا لم نأخذ بعين الاعتبار أن التناوب ضرورة ولكن يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كذلك الاستمرارية في حد أدنى من المعطيات حتى لا نكون من الذين أتوا نسخوا ما فعله السابقون لأخذ الثأر وبعدهم يأتي الذين كانوا من قبلهم فيعكسون الكرة ويعكسون الخطة ويبقى هذا المجتمع حائرا متحيرا.

فكما قلت لكم التناوب هو التجديد والهواء الجديد والرجال الجدد والمنهجيات الجديدة والآمال الجديدة ولا يمكن أن نصل إلى هذه الفلسفة وأن نعطيها حقيقتها المطبقة على أرض الواقع إلا إذا نحن استعملنا طريق التراضي لا في ما يخص النظر إلى الجهة ولا في ما يخص النظر إلى كنه قوانيننا الانتخابية...وكونوا أخيرا على يقين من أنني سأضع ثقلي الشخصي وهيبتي الشخصية وصلاحياتي الدستورية لتمر جميع الانتخابات المتوالية في هذا البلد على أحسن ما يكون في جو من الاستقامة والشفافية والنزاهة لأنني مللت أن أسمع أو أن يسمع عن بلدنا أن انتخاباته لم تكن نزيهة أو أن استشاراته كانت مخلوطة أو مشوبة.

ولي اليقين أنكم سترجعون إلى مزاولة أعمالكم في هذا البرلمان تحذوكم لا أقول روح الشعور بأن البرلمان سيحل وأن الأمانة لن تبقى بعد ذلك في أعناقكم..لا..فأنا أعتقد أن كل من خرج من هذا البرلمان سواء رجع إليه أو لم يرجع إليه عليه أمانة هي أن يبلغ روح البرلمان وجو البرلمان ومتاعب البرلمان وأمانات البرلمان وحنكة البرلمان وليس هذا بالشيء السهل ولكن كما أقول الخارج يأخذ بيد أخيه الداخل.

والله سبحانه وتعالى أسأل أن يلهمنا سواء السبيل ولنجعل من هذه الآية القرآنية مسك ختامنا تلك الآية التي جاءت في سورة الإسراء ولتكن دعاءنا جميعا.

(وقل ربي أدخلني مدخل صدق أخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا )
(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)

صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته,,,