تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

خطاب يوم الإثنين 8 ربيع الثاني عام 1376 الموافق 12 نونبر سنة 1956 بمناسبة افتتاح المجلس الوطني الاستشاري

12/11/1956

  

باسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على خير الخلق أجمعين.

 حضرات السادة المحترمين ،

 نحييكم تحية مباركة طيبة، و نرحب بوفادتكم من مختلف أنحاء مملكتنا الشريفة لتمثيل الأمة المغربية في هذا المجلس الموقر، و نسأل الله أن يوفقكم فيما انتم بصدده من النصح حتى تؤدوا مهمتكم على الوجه الأكمل.

و لإنكم تعلمون رغبتنا في النهوض بهذه الأمة التي حملتنا أمرها ووضعت ثقتها فينا، لرفع مستواها و مستوى أفرادها حتى تنال مكانتها الجديرة بتاريخها المجيد، و حتى يتمتع أفرادها بسائر الحقوق و يتهيأوا للقيام بكل الواجبات.

و منذ أن حقق الله أمالنا جميعا بالحصول على نعمة الاستقلال، و نحن نبذل الجهود لإنجاز ما وجدنا السبيل لإنجازه من مختلف الإصلاحات الضرورية التي طالما طالبنا بها و طالبت بها الأمة أيضا، و ضحينا كما ضحت هي في سبيل الوصول إليها. و قد كان في مقدمة ما رمينا إليه توجيه شعبنا نحو المشاركة في الحكم بواسطة ممثلين أكفاء، و كان لا بد لذلك من اتخاذ مراحل تدريجية، لإقرار ما نريد تحقيقه لشعبنا من ديمقراطية، على أسس من النضج السياسي و التهذيب الوطني و الوعي الاجتماعي.

و أن تأسيس هذا المجلس لحدث عظيم بالنسبة لبلادنا بل إنه من أهم الأحداث التي تمت في عهد الاستقلال، و نحن لا ندعي له أكثر من كونه خطوة أولى نحو الهدف العالي المنشود، أما هذا الهدف الذي لن ندخر جهدا في العمل على إبلاغ شعبنا إليه فهو حياة نيابية بالمعنى الصحيح، تمكن الشعب من تدبير الشؤون العامة، في دائرة ملكية دستورية، تضمن المساواة و الحرية و العدل للأمة أفرادا و جماعات حتى يتم بذلك خلق ديمقراطية مغربية بناءة، تتفق مع ديننا الحنيف الذي جعل الناس سواسية كأسنان المشط، و مع القرآن الكريم الذي جعل الأمر شورى بين المومنين و أمر نبيه فقال له (وشاورهم في الأمر) و حثنا جميعا على التعاون في البناء حين قال : (و تعاونوا على البر و التقوى، ولا تعاونوا على الإثم و العدوان) و مع تقاليدنا الوطنية التي لم تعرف من أنظمة الحكم غير إمامة الإسلام القائمة على العدل و المعاملة بالحسنى للجميع.

و قد علمنا على أن تتمثل في هذا المجلس كل النزعات السياسية الوطنية  و سائر المهن الحرة و مختلف المصالح الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية حتى يكون مرآة صافية لحياة الأمة و مجالا لعرض أفكارها، و قد تحرينا –علم الله- فلم نراع فيمن اختارناهم مباشرة إلا الكفاءة والخبرة بالشؤون التي يمثلونها،      و ليس معنى ذلك إننا مطمئنون لهذه الطريقة، بل إننا متيقنون أن الانتخابات الحرة، هي أقوم و أنجع سبيل بضمان إقامة ديمقراطية سليمة، و نحن عازمون بحول الله على تغيير أوضاع هذا المجلس بمجرد ما تتيسر السبل لذلك، من تمهيد للطريق، ووضع إطار للحياة النيابية، و هكذا ستتبدل طريقة اختيار الأعضاء من التعيين المباشر أو من قوائم الهيئات إلى أسلوب الانتخابات الحر، و يزاد إلى جانب الاستشارة حق الاقتراح للمشروعات و مراقبة أعمال الحكومة و إبداء الملاحظات في السياسة العامة للدولة، و إننا لنعتبر هذا المجلس في طوره الأول بمثابة ميدان يتبارى فيه الأعضاء على ممارسة تجربة لا بد من المرور بها، للمشاركة في الشؤون العامة و الاهتمام بها، كما أن مراقبة الشعب لأعمالهم عن كثب، ليبعث فيه حاسة الملاحظات و العناية الضروريين لغرس الروح الديمقراطية، و سندعم ذلك قبل كل شيء بما سنقوم به من منظمات أساسية في القرية و في المدينة تأخذ بيد الأمة و ترشدها إلى سبيل المشاركة في تدبير شؤونها، حتى يتم بناء صرح الديمقراطية من حيث يجب أن يبدأ البناء.

و أن الأمة لتنظر إلى هذا المجلس لترى ماذا سيقوم به أعضاؤه، فنرجوا أن تكونوا عند حسن ظننا بكم و أن تؤدوا الأمانة على أحسن طريق،  فلا تألوا جهدا في خدمة مصالح البلاد و بذل النصح من أجلها، و استجواب الوزراء،     و مبادلة الرأي في كل المسائل التي ستعرض عليكم و لا سيما الاهتمام بمناقشة الميزانية العامة و الإضافية و الاهتمام بتحسين مواردهما و التأكد من جدوى مصاريفهما، و ستجدون من الحرية الواسعة ما يفتح لكم مجال الأخذ و الرد لا يحد من ذلك إلا ما تفرضه الآداب و اللياقة اللتان هما من أبرز صفات أمتنا و الحمد لله، و ما تستوجبه مصلحة البلاد من ترفع عن الخلاف، و الأغراض الشخصية، و نظرة إلى القضايا القومية من أفق عال، لأن رائدنا جميعا هو خدمة وطننا و السعي في الصالح العام لأمتنا.

و أن للأفراد في هذه الدنيا حقوقا طبيعية و شرعية، تقابلها واجبات عليهم أن يقوموا بها، فيجب أن يكون نظرنا جميعا منصبا على الأمرين معا فلا نفكر في الحقوق وحدها، كما اعتاد الناس أن يفعلوا اليوم، و نتجاهل الواجبات التي يعتبر الشعور بها، و القيام بأدائها، من أعظم مهمات الإنسان التي ترفع مقامه و تعلي شأنه و نحن نعتقد أن في أداء الكل لواجبه، حصولا فعليا للحقوق التي ينشدونها، لأن الثانية تستلزم الأولى، و من جهة أخرى فإننا نرجو مراعاة المرحلة التي تجتازها بلادنا، و معرفة ما يمكن تنفيذه وما يتعذر تحقيقه من الرغبات، فإن ذلك ضروري لعدم إضاعة الوقت، في دراسة مسائل لم يحن إبانها، أو لا يمكن في الوقت الحاضر إنجازها، و هو ما يفسح لنا ميدان العمل و النقاش في أهم المسائل التي يجب التعجيل بها و تنفيذها.

و إننا على بصيرة من أمر هذه الأمة و ما تتطلبه في عاجلها و آجلها، لذلك فإننا نوجه حكومتنا لتقوم بكل ما يمكنها من أعمال في سبيل إسعاد المواطنين و الخروج بالوطن من هذه المرحلة التي يجتازها اليوم، و لتواصل العمل على إقرار الأمن و الحريات العامة و تنظيم القضاء و تقوية الجيش و تحسين المالية  و النهوض بالاقتصاد الوطني وتعميم التعليم ورفع مستوى العامل والفلاح و تقوية الإنتاج و فسح أبواب الازدهار التجاري و تصنيع البلاد و الاهتمام بالإعمار بإيجاد المساكن، و تقوية الأواصر مع الدول الصديقة و المساهمة في توطيد دعائم الحرية و السلم في العالم إلى غير ذلك من المسائل التي تشغل بالنا، و لن يقر لنا حال حتى يراها منجزة قائمة و هي التي يجب أن تشغل بالكم أيضا، حتى يكون اهتمامنا واحدا و عملنا بالتبع لذلك مثمرا.

أيها الأعضاء المحترمون ،أننا نفتتح مجلسكم اليوم وندعوكم للقيام بواجبكم ( و قل اعملوا فسيرى الله عملكم   و رسوله و المومنون) و الله يرعانا و إياكم و يسدد خطانا جميعا إنه نعم المولى  و نعم النصير. و السلام عليكم و رحمة الله.