تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد الرئيس راشيد الطالبي العلمي في افتتاح الندوة المتعلقة بتقييم القوانين من قبل البرلمان

<p style="text-align: center;" dir="RTL" align="center"><strong>بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الكرام الطيبين،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL"><strong>&nbsp;</strong><strong>السيدات والسادة النواب</strong><strong>&nbsp;</strong><strong>والمستشارين،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL"><strong>صاحبة السعادة سفيرة الاتحاد الأروبي لدى المملكة المغربية،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL"><strong>الأساتذة الكرام والخبراء،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL"><strong>السيدات والسادة،</strong><strong>&nbsp;</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">يسعدني أن أفتتح معكم أشغال هذه المناظرة التي تتناول موضوعا يتصدر، في السياق الراهن، اهتمامات المؤسسات التشريعية، والشركاء في الشأن الديمقراطي والأكاديميين ومؤسسات البحث.&nbsp;يتعلق الأمر، كما تعرفون، بتقييم تنفيذ القوانين وقياس أثرها على المجتمعات.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وأود في البداية أن أثمن الشراكة القائمة بين الاتحاد الأروبي ومجلس النواب في ما يخص دعم الديموقراطية وتيسير المبادلات والحوار بين مجلسنا وعدد من المؤسسات التشريعية الوطنية الأروبية كما يتجسد ذلك في مشروع التوأمة الثاني الجاري تنفيذه حاليا.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وأثمن أيضا الشراكة القائمة بين المجلس والجمعية البرلمانية لمجلس أروبا، والتي تتوخى تيسير الاطلاع المتبادل على الممارسات البرلمانية وإسناد الشراكة والحوار السياسي المؤسساتي القائمة بين البرلمان المغربي والجمعية البرلمانية لمجلس أروبا، والتي يؤطرها منذ 2011، وضع "الشريك من أجل الديمقراطية" الذي يتمتع به البرلمان المغربي في إطار هذه الجمعية.&nbsp;</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وأغتنم هذه المناسبة لأؤكد تطلعَنا إلى وضعٍ أكثر تقدما، وشراكةٍ أعمقَ مع هذه الجمعية البرلمانية ومجلس أروبا عموما، ترصيدا لما تحقق في علاقاتنا، وتثمينا لما تحققه بلادنا من نضج ديمقراطي ومؤسساتي، كما أكد على ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في رسالته السامية إلى أعضاء البرلمان بمناسبة تخليد الذكرى 60 لقيام أول برلمان منتخب في المملكة المغربية.&nbsp;</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وستكون ترقية الشراكة بين البرلمان المغربي والجمعية البرلمانية لمجلس أروبا أيضا&nbsp;،&nbsp;تقديرا للإصلاحات الكبرى المؤسساتية المتعددة الأوجه والمداخل التي تنجزها المملكة، وتكريسا لتموقعها الإقليمي والدولي.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL"><strong>السيدات والسادة،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">كما تعلمون، فإن دستور 2011، الذي تضمن إصلاحات كبرى، وأطلق ديناميات إصلاح في مختلف المجالات، وأطر صيانة الحقوق، ووسع من مجال القانون، ومن صلاحيات البرلمان، نَصَّ على إضافة تقييم السياسات العمومية لاختصاصات البرلمان.&nbsp;</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">ويتعلق الأمر بإصلاح مركزي لترسيخ الممارسة الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات والحكامة الجيدة. وتفعيلا لذلك، حَرَصَ مجلس النواب على إعداد ونشر إطار مرجعي لتقييم السياسات العمومية، وهو ما يعتبر من المبادرات الرائدة على المستوى العالمي ودليلا مرجعيا لإنجاز التقييم وفق معايير وقواعد دقيقة.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وبعد أربع عمليات تقييم لسياسات عمومية، ما بين 2015 و2021، أطلقنا برسم الولاية التشريعية الحالية، ست عمليات تقييم منها تقييم شروط وظروف تنفيذ القانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي لا تخفى أهميته ورهاناته المجتمعية والحقوقية والديمقراطية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">واسمحوا&nbsp;لي&nbsp;قبل أن أتناول سياق&nbsp;تقييم تطبيق هذا القانون أن أتقاسم معكم، بعضًا من رهاناتِ تقييم تطبيق القوانين وأهدافه.&nbsp;</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">إن الأمر يتعلق بممارسة تلتقي فيها الاختصاصات الثلاثة المعروفة الموكولة للبرلمانات : التشريع ومراقبة العمل الحكومي، وتقييم السياسات العمومية. فعندما نُخضع تطبيق قانون ما للتقييم، فإننا نقوم بذلك من أجل تجويده أو تعديله جزئيا أو كليا. وقبل ذلك، فإن مساءلة الحكومة بشأن التنفيذ وظروفه ونجاعته ومردوديته، تبقى من السلطات التي على البرلمانات ممارستها في إطار التفاعل مع السلطة التنفيذية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وعندما نخضع أي قانون للتقييم، فإننا نقوم بذلك، بغاية تبين أثر تطبيقه على المجتمع وقياس مدى فعاليته، ومدى رضى المعنيين بتنفيذه وما الذي يعيق تحقيقه للأهداف المتوخاة منه. وعلى أساس ذلك، يمكن للبرلمانات والحكومات التصرف بناء على الإدراك والمعرفة بحجم وَقْع التشريع، والتوجه إلى الإصلاح أو التغيير، أي التدخل بواسطة القانون وتجاوز الثغرات، أو توفير الموارد المادية أو البشرية لإعمال القانون والتصدي لما يكبح تنفيذه.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">ولكي يكون التقييم البعدي للقوانين ناجعا، ينبغي أن يكون القانون الخاضع للتقييم ساريا لما لا يقل عن ثلاث سنوات كمعيار دولي. وينبغي، من حيث منهجيةُ التقييم، إشراك المعنيين بالقانون، وممثلين للمجتمع المدني. ويبقى الاعتماد على جلسات الاستماع كمصدر لجمع أكبر قدرٍ من المعلومات والمعطيات بشأن إعمال القانون، عملا أساسيا لحكامة التقييم. ومن شأن ذلك أن يثير اهتمام الرأي العام بالعمل البر لماني وحشد الدعم للإصلاحات.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL"><strong>السيدات والسادة،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">في سياق سعيها إلى رفع التحديات التي تواجهها الديموقراطية في القرن الواحد والعشرين، ومنها تحدي نَزَعات مناهضة المؤسسات، وتراجع الالتزام السياسي والعزوف الانتخابي، تعزز العديد من البرلمانات، ومنها برلمان المملكة المغربية، اختصاصاتها ووظائفها، خاصة من خلال تقييم ومراقبة السياسات والبرامج العمومية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وما من شك من أن ذلك يعطي نَفَسًا جديدا للممارسة الديمقراطية والمشاركة والثقة في المؤسسات.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">ويقع تقييمُ القوانين في صُلب هذا التوجه التجديدي للممارسة البرلمانية، وهو من سماتِ الديموقراطية الجديدة. ومن حسناته أنه يُيَسِّر إطلاقَ دينامياتٍ جديدة في الحياة البرلمانية في علاقتها بقضايا المجتمع، وينبهنا إلى أشكال القصور التي قد تعتري التشريعات الوطنية، ويجعلنا نشركُ فاعلين آخرين في التقييم، وبالتالي في استشراف المستقبل، مما يزيد من مردودية القوانين، والديموقراطية بشكل عام.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">في هذا الأفق كان اختيار مجلس النواب للقانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ليكون موضوع تقييم من جانب المجلس. ويتعلق الأمر بنص مركزي في التشريعات الوطنية بامتدادات حقوقية ومجتمعية واقتصادية وبيداغوجية وثقافية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">ولئن كان العنف الممارس ضد النساء، الذي يظل ممارسةً مدانةً وغير مقبولة واعتداءً على الحقوق الإنسانية للنساء والأطفال، فإنه ظاهرة&nbsp;عالمية&nbsp;مع كامل الأسف، تُرْصَد في مختلف المجتمعات والحضارات والثقافات، وتقتضي التصدي لجذورها وأسبابها ومنها الهشاشة والتمثلات الاجتماعية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وإذا كان اعتماد هذا القانون يندرج في إطار الإصلاحات الحقوقية التي يعتمدها المغرب منذ حوالي ربع قرن، خاصة الإصلاحات لفائدة النساء وللأسر التي يرعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، فإن اخضاعه للتقييم بعد حوالي خمس سنوات من سريانه،&nbsp;يعكس الإرادة الجماعية لتحسينه وتجويده وجعله أكثر نجاعة، ويجسد، أساسا، الإرادة السياسية في اجتثاث هذه الظاهرة المنافية لمبادئ حقوق الإنسان والقيم الإنسانية من خلال توفير الأساس القانوني للزجر والوقاية والتربية والتكفل بالضحايا.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">ويتزامن تقييم هذا القانون من جانب مجلس النواب، كما تعرفون، مع إطلاق صاحب الجلالة، أمير المؤمنين لورش مراجعة مدونة الأسرة بعد حوالي عشرين عاما من التطبيق، وتعيين جلالته لهيأة كلفها بإعداد تصورات ومداخل للمراجعة بهدف تجاوز الاختلالات المرصودة من خلال التطبيق، وجعل مقتضيات المدونة ملائمة للدستور الذي نعتز بكونه دستورا متقدما وتحرريا وضامنا للحقوق والواجبات، ومستوعبا لروح العصر وللقيم المغربية الأصيلة.&nbsp;</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وإننا لنعتز أيضا بكون هذا الورش، وإصلاح قضايا الأسرة وتأطيرها، تحظى بالإشراف والعناية والرعاية السامية لصاحب الجلالة بصفته أميرا للمؤمنين، كما نعتز بمنهجية الحوار والإشراك التي اتبعتها الهيأة المكلفة بمراجعة المدونة في بلورة الاقتراحات التي سترفع إلى نظر صاحب الجلالة.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وتجسد هذه المنهجية، اختيار الإشراك والتوافق الذي يميز النموذج المغربي في اعتماد الإصلاحات المجتمعية الكبرى، وهو ما ساهم -بفعل مراكمة الإصلاحات- في قيام نموذجٍ مؤسساتي ديموقراطي مغربي متفرد، يجعل من بلادنا قوة ديموقراطية واقتصادية صاعدة، تبدع في الجمع بين عمقها الحضاري العريق والغني وتقاليدها المؤسساتية المتأصلة، وقيم العصر الإيجابية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL"><strong>السيدات والسادة،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">ندرك في المغرب أن كفالةَ حقوق النساء والأسرة لا يمكن اختزالها في التشريعات، والتنظيم والمؤسسات. فهي تتطلب سياسات وتدخلات عمومية تعطي للقوانين معنًى ملموسا يتمثل في التمكين وامتلاك الوسائل الضامنة للمداخيل المستدامة التي تكفل الاستقلالية للنساء وتبعدهن عن الهشاشة والاقصاء.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">في هذا الصدد، ينبغي التذكيرُ ببرامجِ الحماية الاجتماعية والدعم المباشر للمحتاجين وفي مقدمتهم النساء، باعتبارها جزء من الأوراش التي تحظى بعناية ملكية خاصة.&nbsp;</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">&nbsp;</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL"><strong>السيدات والسادة،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">لن أدخل في تفاصيل تقييم القوانين وقياس أثرها، والمناهج المعتمدة في ذلك من قبل البرلمانات، كل حسب سياقه المؤسساتي، ولكنني أود أن أثني على عمل المجموعة الموضوعاتية التي كلفناها، في مكتب المجلس ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية، بإنجاز هذا التمرين الأول في ما يخص تقييم القوانين، مثمنا منهجية الانفتاح والإشراك&nbsp;التي اعتمدتها&nbsp;من خلال جلسات الاستماع التي عقدتها مع مختلف المؤسسات والإدارات والمنظمات غير الحكومية، علما بأننا عازمون على مناقشة التقرير الذي شارفت المجموعة على إنهائه، خلال الدورة التشريعية المقبلة.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وأغتنم هذه المناسبة لأثمن مشاركة "لجنة البندقية من أجل الديموقراطية من خلال القانون" التابعة لمجلس أروبا، وأثني على اجتهاداتها وانفتاحها مؤكدا تطلعنا إلى مزيد من التعاون مع مؤسسة التفكير هاته، التي يحظى المغرب بالعضوية فيها منذ 2007.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">وبقدر فخرنا، بما راكمناه في مجلس النواب من ممارسات متميزة في مجال تقييم السياسات العمومية، وربط ذلك بالسياق الوطني الراهن، إلى الحد الذي أعتبر معه أننا أصبحنا بصدد ممارسة مغربية برلمانية لتقييم السياسات العمومية، فإننا عازمون على التطوير الدائم لهذا الاختصاص وتكريس تقييم أثر القوانين وقياس وقعها كجزء من هذه الممارسة.&nbsp;</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL">ويظل الهدفُ هو إعمالُ الحكامة في السياسة العمومية، وتَبَيُّنُ أثرِ الإنفاقِ العمومي، وضمانُ الحقوق واستمراريةُ اليقظةِ التشريعية من أجل تجاوز أوجه النقص وتطوير تشريعاتنا الوطنية ضمانا للحقوق وإقرارا للواجبات في إطار دولة المؤسسات والحق والقانون.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="RTL"><strong>&nbsp;أتمنى لأشغالكم النجاح وأشكركم على إصغائكم.</strong></p>