تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب رئيس الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط في افتتاح الدورة 17 للجمعية

16/02/2024

<p style="text-align: center;" dir="rtl" align="center"><strong>بسم الله الرحمن الرحيم،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>&nbsp;</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>الزميلات والزملاء رؤساء المجالس التشريعية،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>الزميلات والزملاء أعضاء الوفود،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>أصحاب السعادة السفراء،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>السيدات والسادة،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>&nbsp;</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">يطيب لي أن أعلن افتتاح الدورة 17 للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، هنا في عاصمة المملكة المغربية، بعد أن التأمت أمس قمة الرؤساء، واللجان الدائمة بالجمعية ومكتبها الموسع.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وأود أن أرحب بكم من جديد في مجلس النواب المغربي، وأشكركم على تلبية دعوتنا عربونا منكم على الروابط التي تجمع بلداننا، وتجسيدا لتصميمنا الجماعي على مواصلة العمل البرلماني الأرومتوسطي المشترك في إطار جمعيتنا البرلمانية التي تخلد، بعد شهر بالتحديد، مرور 20 سنة على تأسيسها، و 26 عاما على قيام&nbsp; صيغتها الأولى : المنتدى البرلماني الأرومتوسطي.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وبهذه المناسبة ينبغي لنا نَذْكُرَ مسار التأسيس، الذي لم يكن باليسير، ولكنه كان حاسما، ونَذْكُرَ &nbsp;إسهامَ المؤسسين : الراحل الأستاذ عبد الواحد الراضي<br />والراحل خوصي ماريا خيل روبليس&nbsp; José Maria Gill Roblès اللَّذيْنِ، للصدفة ولدا في نفس السنة، وفقدناهما معا في السنة الماضية، أي أنهما عاشا نفس المراحل التاريخية بتقلباتها، كما أذكر الرئيسة Nicole Fontaine وآخرين، وكلهم ساهموا بشكل وافر في وضع أسس الذراع البرلماني المواكب لمسلسل برشلونة.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">لقد كان التأسيس في غمرة، وعلى خلفية، انفراجات كبرى في العلاقات الدولية: نهاية الحرب الباردة، ومفاوضات أوسلو وما آلت إليه في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط واتفاقيات واشنطن التي توجت هذا المسلسل، ثم إطلاق مسلسل برشلونة الذي ثبَّتَ البعد البرلماني وألح عليه كآلية لإسناد الشراكة الأرومتوسطية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">ولكن أين نحن من الآمال التي أطلقتها مجموع هذه الديناميات ؟</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">إننا في الواقع أمام حصيلة متباينةٍ حَدَّ التناقض.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">فقد حققت شراكاتُنا الاقتصادية الكثير من المكاسب بفضل حيوية وانخراط القطاع الخاص والدعم الحكومي والمؤسسي في الضفتين، والتزام الاتحاد الأوروبي مشكورا، في مشاريع مهيكلة، كما تتيسر المبادلات وتتنوع بفعل الاتفاقيات المتقدمة الثنائية ومتعددة الأطراف.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وكانت السنوات الخمسة عشر التي تلت إطلاق مسلسل برشلونة مليئة بالحوارات السياسية ومتعددة الأطراف بين ضفتي المتوسط على المستويات الحكومية والبرلمانية وبين الجماعات الترابية، وعلى مستوى أوساط الأعمال، والجمعيات المدنية، والجامعات وبين الأكاديميين، مما شكل انفراجا حقيقيا في المنطقة، إذ وُقِّعت العديد من اتفاقيات الشراكة بين الاتحاد الأروبي والبلدان الشريكة في جنوب وشرق حوض المتوسط.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وفتحت هذه الشراكات آفاق واعدة للمبادلات التجارية وتحرير الأسواق، وتوطين الاستثمارات وإقامة المشاريع المشتركة.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وكتبت شراكتنا عددا من قصص النجاح في مجال المشاريع الصناعية المشتركة والبيئة والاقتصاد الأخضر والفلاحة والصيد البحري.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وحققنا عددا من الأهداف في مجال حقوق الإنسان والنساء وفي المساواة بين الجنسين، والتعاون بين المجتمعات المدنية، والحكامة والدعم المؤسساتي خاصة من خلال برامج التوأمة المؤسساتية التي يمولها الاتحاد الأروبي والدعم من أجل التنمية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">ويظل الأساسي هو ما تربحه بلداننا من خلال التنسيق الأمني والعمل المشترك ضد الإرهاب والتطرف، وهو ما مكننا، معا، من إحباط مخططات إرهابية مقيتة وتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية. وهي مناسبة لتوجيه التحية والشكر لأجهزة الأمن في بلداننا.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">لقد تطلبت الشراكة، من بين ما تطلبته، إصلاحات جريئة في بلدان الجنوب التي انخرطت فيها، وهي إصلاحاتُ ملاءمَةٍ لها كلفتُها الاجتماعية والمالية، وتتطلب من القطاعين العمومي والخاص أن يستجيب لمعايير ومتطلبات الجودة الأروبية في وقت وجيز، في الوقت الذي استغرق ذلك عشرات السنين من التراكم في البلدان الأعضاء في الاتحاد الأروبي.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وإذ ندرك أن أمر الإصلاحات هو حاجة وطنية داخلية وطنية، وليس استجابة لأي ضغط، فإنه ينبغي مع ذلك أن ندركَ أن الإصلاحَ مكلفٌ، وأنه يحتاج إلى التراكم.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>السيدات والسادة،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">بقدر حاجة الاتفاقيات والآليات التي تجمعنا، إلى التحصين، وإلى كفالة أمنها القانوني، وحمايتها من ادعاءات جماعات الضغط، ومن أصحاب المصالح، ومن "الطُّعون" الجاهزة والنمطية، بقدر حاجة شراكتنا الأرومتوسطية عموما إلى التجديد على مستوى الحوار السياسي والمؤسساتي الذي يؤطر العلاقات والمبادلات بين القطاعات وفي الأنشطة الأخرى.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">إن الأمر يتعلق بحاجةٍ ماسة لبعثِ الثقة من جديد في شراكتنا، ومن أجل أجوبة في مستوى أسئلة السياق الراهن، وفي مستوى التحديات الجديدة/القديمة التي تواجهها منطقتنا الأرومتوسطية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">واسمحوا لي أن أستعرض معكم بعضا من هذه التحديات التي علينا أن نعمل معا وسَوِيًّا على رفعها، إذا نحن أردنا أن يستعيد الحوض الأرومتوسطي أدواره ومركزه الكوني وإشعاعه.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">لقد كان لما سمي "بالربيع العربي" أثارٌ مدمرة على بعض بلدان شرق وجنوب المتوسط، إذ استغلت العديد من الجماعات، الفترات الانتقالية، وضعف الدولة لإشاعة الفوضى وعرقلة بناء المؤسسات الوطنية. وقد عمق التدخل الأجنبي من هشاشة هذه الأوضاع التي نجم عنها حركاتُ نزوحٍ ولجوء وهجرات.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">ويظل النزاع في الشرق الأوسط محور النزاعات الإقليمية، إذ تناسلت عنه العديد من النزاعات الأخرى. وتظل قضية الشعب الفلسطيني جوهر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وينبغي في هذا النزاع أن نتوجه إلى جوهر المشكل، والمتمثل في إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في الاستقلال وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، دولة ذات سيادة، قابلة للحياة، وتعيش في سلام وتعايش مع باقي دول المنطقة.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وعلى المدى القريب ينبغي ألا تقبل المجموعة الدولية، بغير كفالة حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وتوفير الحماية له، لينعم بحقه في الحياة، وفي الأمن وفي المؤسسات الوطنية وفي الهوية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">ومرة أخرى، فإن القيم الإنسانية اليوم ممتحنَةٌ والضمير الإنساني أمام مسؤوليات تاريخية.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وعلينا أن نتذكر دائمًا أنه مالم تتم تسوية قضايا الشرق الأوسط على أساس العدل والقانون الدولي، فإن منطقتنا الأورومتوسطية ستظل رهينةَ عدم الاستقرار والنزاعات والفوضى.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وسواء بحكم التاريخ، أو الجغرافيا السياسية، أو باسم الضمير الإنساني والقيم، والمصالح، والحرص على المستقبل فإن تسوية النزاع العربي الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية، هو مسؤولية أرومتوسطية بالأساس. إنها فرصة لاستعادة دور مجموعتنا في وقف هذا الدمار الاستراتيجي في كل الأبعاد.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>الزميلات والزملاء،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">ثمة تحديات عديدة نعرفها معا وإن اختلفت مقاربتنا لها.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">فبعلاقة مع عدم الاستقرار، نواجه معا التطرف والإرهاب، الذي يجد تربته الخصبة في الفوضى والفقر وغياب المؤسسات. وإذا كان ينبغي مواصلة التصدي الأمني لمدبري وممولي ومنفذي المشاريع الإرهابية، فإنه لابد من تجفيف منابع الإرهاب والقضاء على البيئة التي تحتضنه، وفي نفس الوقت مواصلة تكريس الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان، وإشاعة ثقافة العيش المشترك.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وتساهم هذه التحديات والعواملُ، وغيرها من خارج الفضاء الأرومتوسطي، ومن خلفه في تزايد مُلفت لظاهرة الهجرة غير النظامية واللجوء والنزوح، مع ما يلازم ذلك من مآسي إنسانية. فقد تحول البحر الأبيض المتوسط إلى ممر لهلاك آلاف من الشباب الباحثين عن الأمل في الشغل، أو عن لقمة العيش، أو عن الأمن أو عن الحرية أو الحماية من تعصب طائفي أو عرقي.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">&nbsp;وكما قلت أمس أمام السادة الرؤساء، فإنه إذا كانت الهجرات في حوضنا المتوسطي قد شكلت على مدى التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر، ظاهرة إثراء وتلاقح وتثاقف بشري كثيف، ثري وفريد، فإنها اليومَ مع الأسف، مصدرُ نزاعاتٍ، وعنصرية وتمييز، ومطية وصم للآخر Stigmatisation ، وهو ما يتغذى، من الإعلام المضلل.&nbsp; والأكثر من ذلك، أن الهجرة غَذَتِ اليوم في قلب المزايدات الانتخابية في عدد من بلدان الضفة الشمالية لحوض المتوسط، إذ تتصدر معاداة المهاجرين والأجانب، برامج وأجندات عدة تشكيلات سياسية وهي ورقة في المزايدات الانتخابية، وأداة كسب انتخابي.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">ويتعين في هذا الصدد عدم إغفال النماذج الناجحة للإدماج وللتدبير المشترك الناجح لظاهرة الهجرة غير النظامية بين الشمال والجنوب، كما يتجسد ذلك في النموذج الذي أعرفه جيدا، نموذج التعاون متعدد الأوجه بين المملكتين المغربية والإسبانية في التعاطي مع الظاهرة. ويتعين على كافة الديموقراطيين من أحزاب وقوى ومن مثقفين ومؤسسات، في الشمال، العمل على قلب معادلة ربط مشاكل المجتمعات الأروبية بظاهرة الهجرة&nbsp;والتصدي لخطاب كراهية الأجانب، وتذكرِ الأدوار التاريخية للمهاجرين في اقتصادات عدد من بلدان أروبا، وإسهام العديد منهم وأبنائهم ومواطينهم، في الإشعاع العلمي والثقافي والرياضي لهذه البلدان.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>الزميلات والزملاء،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>السيدات والسادة،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">سجلت درجات الحرارة في المنطقة الأرومتوسطية في سنة 2023 أعلى درجات حرارة على الإطلاق، وتسببت الحرائق في إتلاف مساحات غابوية شاسعة. ومعنى ذلك أن الحوض المتوسطي يعاني أكثر من غيره من بقاع العالم من انعكاسات الاختلالات المناخية. ويضاف ذلك إلى إجهاد التربة وتدمير الغابات، والاستغلال المفرط للثروات البحرية، والجفاف.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">ومرة أخرى نوجد أمام مسؤولية أخلاقية في الحفاظ على الحوض المتوسطي وإعادة الاعتبار لبيئته. فبجانب ما تتسبب فيه هذه العوامل من هجرات وتفقير، فإن البشرية قد تفقد بسبب التلويث المفرط لحوض المتوسط، واحدا من مصادر التغذية الأكثر غنًى وتنوعا وفائدة في العالم، ومكونا هاما للإرث الطبيعي الإنساني الذي تأسست عليه أعرق الحضارات.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl"><strong>الزميلات والزملاء،</strong></p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">إن التذكير بعدد من التحديات التي نواجهها، هو من باب المسؤولية والحرص على تطوير شراكاتنا، علما بأن نماذج النجاح في هذه الشراكات والتعاون والإبداع كثيرة، لربما أحدثها وأكثرها رمزية وتاريخية هو حصول المغرب وإسبانيا والبرتغال على شرف تنظيم كأس العالم برسم 2030، بكل ما لذلك من حمولات تاريخية وحضارية وثقافية وما يجسده من ود وروابط تاريخية فريدة بين شعوبنا.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وكما تأكد لكم دائما، فإن المغرب، الوفي لتقاليد والتعايش، وعيش مشترك، واعتدال، وحرية، لن يتوانى في مواصلة انخراطه الإيجابي الفاعل في تجديد الشراكة الأرومتوسطية، كما أن مجلس النواب المغربي الذي كان مؤسسًا رئيسيًّا للبعد البرلماني الأرومتوسطي وتطويره، سيواصل التزامه الإيجابي في إطار هذا المسلسل، وحضوره الاقتراحي مستندا إلى علاقاته مع مختلف مكونات الشراكة الأرومتوسطية وإلى خبرته المؤسساتية التي تتغذى من نموذجه الديموقراطي المؤسساتي الأصيل والمتأصل، الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl">وسنظل حريصين وداعين لاحترام الالتزامات المتبادلة وعلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وأساسا احترام الوحدة الترابية وسيادة الدول باعتباره خطا أحمر في التقاليد الدولية المعاصرة.</p>
<p style="text-align: justify;" dir="rtl" align="center"><strong>أجدد الترحيب بكم وأشكركم على حسن إصغائكم.</strong></p>