تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب رئيس الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط في افتتاح قمة رؤساء البرلمانات الأعضاء في الجمعية

15/02/2024

<p dir="RTL" align="center"><strong>بسم الله الرحمن الرحيم،</strong></p>
<p dir="RTL"><strong>&nbsp;</strong></p>
<p dir="RTL"><strong>السيدات والسادة الرؤساء،</strong></p>
<p dir="RTL"><strong>الزميلات والزملاء،</strong></p>
<p dir="RTL">&nbsp;</p>
<p dir="RTL">يطيب لي أن أرحب بكم على أرض المملكة المغربية أشقاءَ وأصدقاء شاكرا لكم تلبية دعوتنا، عربونًا منكم على صداقةٍ تجمع بلداننا وترسيخا للبعد البرلماني للشراكة والتعاون الأرومتوسطيين، في سياق إقليمي ودولي مليء بالتحديات وبالمخاطر.</p>
<p dir="RTL">لقد أحسنَّا معا في التوافق حول موضوع "التعاون الأرومتوسطي في القرن الواحد والعشرين ودور الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط" في ترسيخ هذا التعاون، ليكون محور الدورة 17 لجمعيتنا وأجهزتها وآلياتها، بما في ذلك قمة الرؤساء.</p>
<p dir="RTL">ولكن اسمحوا قبل أن نتوجه إلى المستقبل في علاقاتنا، أن نتساءل بصدد أوضاع المنطقة الأرومتوسطية ومآلاتها الحالية، وقبل ذلك أن نتساءل عما الذي تحقق من التعاون والشراكة الأرومتوسطية. فقد أطلقَ مسلسل برشلونة في نهاية القرن العشرين آمالا كبرى في تحقيق السلام والأمن، وتقاسم الرخاء بتحويل الفضاء الأرومتوسطي إلى منطقة ازدهار مشترك. فهل تحققت هذه الآمال بعد حوالي ثلاثة عقود من تدشين الجسور المؤسساتية في العلاقات بين ضفتي المتوسط، وبعد عشرين عاما على تحويل المنتدى البرلماني الأرومتوسطي الذي أحدث في 1998، إلى جمعية برلمانية أرومتوسطية في سنة 2004.</p>
<p dir="RTL">اسمحوا لي السيدات والسادة رؤساء المجالس ورؤساء الوفود، والزملاء أن أؤكد لكم أنني من المقتنعين كل الاقتناع بالشراكة الأرومتوسطية، ومن المؤمنين بمستقبل أفضل لشعوب المنطقة. ولكن معطيات الواقع الجيوسياسي، والوضع الأمني، في منطقتنا الأرومتوسطية، تدعو إلى القلق بل وإلى الحسرة أكثر من أي وقت مضى، إذ تقف عدة عوامل مقوضة للعيش المشترك والتعاون والتفاهم، منذرة بتبديد كل الآمال التي انبعثت من إطلاق مسلسل برشلونة واتفاقية أوسلو ومؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط.</p>
<p dir="RTL">لقد تفاقمت التحديات التي تواجه منطقتنا الأورومتوسطية، وتناسلت عنها معضلات جديدة مما يَكبح التفاهم ويُلَغِّم العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف بين بلدان المنطقة والمجموعات الإقليمية. فالسلام في الشرق الأوسط يبدو أبعدَ اليومَ عما كان عليه في أي وقت مضى. والدماء التي تسيل في غزة والدمار الهائل التي تتعرض له، ومصادرة حق الأطفال في الحياة وفي التمتع بالحقوق الإنسانية تسائلنا جميعا، وتزيد من منسوب الحقد، كما تزيد من تخصيب التربة للتعصب والتشدد.</p>
<p dir="RTL">ومن حول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، تتناسل نزاعات أخرى مدمرة تدفع ثمنها شعوب المنطقة، ويزدهر التطرف والإرهاب في بيئة عدم الاستقرار وغياب سلطة الدولة أو ضعفها.</p>
<p dir="RTL">في مواجهة هذه الأوضاع المتفجرة، ينبغي ألا نستسلم، وأن نواصل البحث عن السلم. وما أعتقد أن الذي جرى ويجري في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية ينبغي ألا يفتح الأفق لتسوية حقيقية وسلام عادل وشامل يقوم على حل الدولتين، وفق الشرعية الدولية والقانون الدولي، ويمكن الشعب الفلسطيني من دولة مستقلة قابلة للحياة، عاصمتها القدس الشريف بقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية.</p>
<p dir="RTL">لقد سئمت شعوب المنطقة من الحروب، والصراعات، والدمار، والعنف حد الإحباط، وتجاوزَ العنف الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين الذين يدفعون ثمن الصراعَ كل الحدود، وأقصى درجات التنكيل بهم وتجويعهم وإهانتهم والحط بكرامتهم. في مواجهة ذلك، ينبغي التوجه إلى جذور الصراع وأصل القضية، أي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية كما تقضي بذلك الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.</p>
<p dir="RTL">واسمحوا لي أن أذكر بأن المملكة المغربية، سواء في عهد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه أو صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، رئيس لجنة القدس، كانت دائما استباقية وداعمة للحق الفلسطيني الأصيل مؤسسة مبادراتها على الدعوة إلى السلام المبني على العدل والتضامن والتعايش بين شعوب المنطقة.</p>
<p dir="RTL">وفي أوج تهديد إسرائيل بهجوم كاسح على منطقة رفح، حيث يتكدس أكثر من مليون نازح فلسطيني، يتعين على القوى النافذة في القرار الدولي، الضغط على إسرائيل لوقف حربها على غزة، وتمكين المدنيين من استنشاق أوكسجين الحياة ومن التمتع بلحظات نوم هادئ دون صوت الطائرات والقنابل. إن الضمير العالمي، وقيم حقوق الإنسان والعدل والإنسانية ممتحنَةٌ اليوم أمام هذا التصعيد الخطير والحرب على مدنيين عزل. ومن هذا المحفل أناشد زملاءنا في الاتحاد الأروبي العمل مع حكوماتهم فورا للتدخل من أجل وقف هذه المأساة، كما أدعو برلمانات العالم إلى رفع أصواتها من أجل وقف الحرب فورا والدعوة إلى السلام والحوار.</p>
<p dir="RTL"><strong>السيدات والسادة،</strong></p>
<p dir="RTL">إلى نزاعات الشرق الأوسط، تُضاف تحديات أخرى تواجه منطقتنا الأرومتوسطية فقد دفعت هذه النزاعات والحرب في شرق أروبا دول المنطقة إلى إقرار زيادات هامة في الإنفاق العسكري مما يذكرنا بسباق التسلح إبان الحرب الباردة، علما بأن المنطقة الأرومتوسطية هي المنطقةُ حيث تتراكم كميات أكبر من الأسلحة. وإذا كان من حق الدول اعتماد ما يلزم من سياسات دفاعية لحماية أمنها ومصالحها، فإن سؤال تضخم الإنفاق العسكري مقابل أزمات وأوضاع مجاعة، ونقص حاد في الغداء والخدمات، تسائلنا كمجموعة أرومتوسطية، عما الذي تحقَّقَ من أهداف السلم في المنطقة باعتباره من مُقومات مسلسل برشلونة، وعَمَّا الذي سيحمله المستقبل من نزاعات وحدتها.</p>
<p dir="RTL"><strong>الزميلات والزملاء،</strong></p>
<p dir="RTL">تتهدد منطقتنا تحديات أخرى قديمة/جديدة، منها انعكاسات الاختلالات المناخية والتلوث. فالبحر الأبيض المتوسط يعتبر البحر الأكثر تعرضا للإجهاد، حيث تقذف أطنان الملوثات مما يلحق أضرارَ جسيمة بالموراد والأحياء البحرية. ويتراجع المجال الغابوي بشكل مُهْوِل جراء الجفاف والحرائق والاستغلال المفرط للتربة وتعريضها للإجهاد. وإلى جانب تداعيات كل ذلك على الحياة البشرية، وما يتسبب فيه من نزوح، وعلى التنوع النباتي والحيواني، فإن البشرية قد تفقد واحدا من مصادر التغذية الأكثر غنى، وتنوعا وفائدة في العالم، وفضاءات سياحية من الأجمل على الكرة الأرضية، وجزء هاما من الإرث الطبيعي الإنساني، الذي تأسست عليه أعرق الحضارات وأثراها.</p>
<p dir="RTL">وتساهم هذه التحديات والعواملُ، وغيرها من خارج الفضاء الأرومتوسطي، ومن خلفه في تزايد مُلفت لظاهرة الهجرة غير النظامية واللجوء والنزوح، مع ما يلازم ذلك من مآسي إنسانية. فقد تحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة للآلاف من الشباب الباحثين عن الأمل في الشغل، أو عن لقمة العيش، أو عن الأمن أو عن الحرية أو الحماية من تعصب طائفي أو عرقي. فالذين يغامرون في مراكب الموت يفعلون ذلك مضطرين إما بسبب الحروب والنزاعات أو الجفاف أو البطالة&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;أو انعدام الدخل. وهم في جميع الأحوال ضحايا شبكات الاتجار في البشر، وضحايا عوامل ليسوا مسؤولين عنها.</p>
<p dir="RTL">&nbsp;وإذا كانت الهجرات في حوضنا المتوسطي قد شكلت على مدى التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر، ظاهرة إثراء وتلاقح وتثاقف بشري كثيف، ثري وفريد، فإنها اليومَ مع الأسف، مصدرُ نزاعاتٍ، وعنصرية وتمييز، ومطية وصم للآخر&nbsp;Stigmatisation&nbsp;، وهو ما يتغذى، من الإعلام المضلل.&nbsp;&nbsp;والأكثر من ذلك أن الهجرة غذت اليوم في قلب المزايدات الانتخابية في عدد من بلدان الضفة الشمالية لحوض المتوسط، إذ تتصدر معاداة المهاجرين والأجانب، برامج وأجندات تشكلات سياسية وهي موضوع مفضل في المزايدات الانتخابية، لأنها أداة كسب انتخابي.</p>
<p dir="RTL">ومع أنه لا ينبغي إغفال النماذج الناجحة للإدماج وللتدبير المشتركة الناجح لظاهرة الهجرة&nbsp;&nbsp;غير النظامية بين الشمال والجنوب، كما يتجسد ذلك في النموذج الذي عرفه جيدا، نموذج التعاون المتعدد الأوجه بين المملكتين المغربية والإسبانية في التعاطي مع الظاهرة (مع كل ذلك)، فإن كافة الديموقراطيين من أحزاب وقوى من ومثقفين ومؤسسات في الشمال مدعوة إلى قلب معادلة ربط مشاكل المجتمعات الأروبية بظاهرة الهجرة&nbsp;والتصدي لخطاب كراهية الأجانب، وتذكر الأدوار التاريخية للمهاجرين في اقتصادات عدد من بلدان أروبا، وإسهام العديد منهم وأبنائهم ومواطينهم في الإشعاع العلمي والثقافي والرياضي لهذه البلدان.</p>
<p dir="RTL">واسمحوا لي أن أذكر أيضا بأن بلدان ضفتي جنوب وشرق المتوسط لم تعد بالأساس مصدر هجرات بل إن منها من أصبح بلد استقبال وعبور، مع كل الكلفة التي يتطلبها ذلك، والتي تنضاف إلى كلفة النزوح واللجوء خاصة بسبب النزاعات.</p>
<p dir="RTL">&nbsp;</p>
<p dir="RTL"><strong>الزميلات والزملاء،</strong></p>
<p dir="RTL">على الرغم من تعاظم التحديات والعوامل غير الميسرة لتحقيق الأهداف النبيلة التي أطلق من أجلها مسلسل برشلونة والذراع البرلمانية للتعاون الأرومتوسطي، فإن شراكاتنا الاقتصادية حققت الكثير من المكاسب بفضل حيوية وانخراط القطاع الخاص في الضفتين، والاتفاقيات المتقدمة الثنائية ومتعددة الأطراف. ومع ذلك، فإن مبادلاتنا ما تزال تحتاج إل مزيد من الأمن القانوني والإلتزام السياسي من جانب مختلف الأطراف لتحصينها من نزوات لوبيات المصالح الضيقة والنزعات الإيديولوجية المتطرفة التي توظفها أطراف لها مصلحة في الإضرار بحرية التجارة والمبادلات وإبقاء المنطقة حبيسة منطق الحرب الباردة وإيديولوجيتها.</p>
<p dir="RTL">في مقابل ذلك، ينبغي لنا في البرلمانات الوطنية، وفي البرلمان الأروبي، أن نحرص على تحصين الاتفاقيات التي تبرمها دولنا ونكفل لها الأمن القانوني الذي ييسر تنفيذها دون عراقيل، وعدم تركها رهينة لأمزجة البعض.</p>
<p dir="RTL">لقد حققت الشراكة الأرومتوسطية الكثير في مجال الطاقات المتجددة ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والمجتمع المدني والبحث العلمي والأكاديمي، كما تجسد ذلك الجامعة الأرومتوسطية بفاس العاصمة الروحية للمملكة المغربية.</p>
<p dir="RTL">وحققنا العديد من أهدافنا في مجال الشراكة من أجل حقوق النساء والمساواة بين الجنسين والدعم المؤسساتي، خاصة من خلال برامج التوأمة المؤسساتية التي يمولها الاتحاد الأوروبي مشكورا، وكذا في ما يخص برامج الدعم من أجل التنمية ودعم الاقتصاد الأخضر.</p>
<p dir="RTL">ولكن ترصيد هذه المكتسبات من أجل المستقبل يظل رهينا بدرجة الثقة التي ينبغي أن تتأسس عليها علاقاتنا، وبمدى الصدق السياسي في علاقاتنا، وبالتقدير المتبادل، وباحترام القرارات السيادية لدولنا ومؤسساتنا.</p>
<p dir="RTL">ويتعين أن نسند ذلك بالحوار الثقافي والفكري وتيسير الفهم المتبادل وبإعادة الاعتبار للثقافة كرافعة للمبادلات، للأخوة والصداقة الأرومتوسطية. وإذا كان المتعصبون والإنطوائيون من مختلف الأطراف يعملون من أجل إبعادنا أكثر عن حلم استعادة روح غرناطة وفاس وأثينا وروما والإسكندرية، فإن القرارات السياسية القوية، الجريئة، الحصيفة، والوفية للشراكات والمستحضرة للتاريخ والمبنية على الحق والقيم قبل المنافع، ستجعل الأفق أوضح لشراكاتنا، ويجعلنا نستعيد الآمال التي انبعثت من برشلونة قبل ما يقارب الثلاثين عاما.</p>
<p dir="RTL">إن واقع الانشطار الذي يميز النظام العالمي، والتهديدات التي تواجهنا معا ودخول فاعلين دوليين جدد إلى معادلات الصراع الدولي ومنهم المنظمات الإرهابية، إن كل ذلك، يدعونا أكثر من أي وقت مضى إلى المضي في شراكاتنا على أساس تجديدها، وخاصة من خلال احترام أطرافها جميعِها، ودعم حق كل دولة في وحدتها الترابية وسيادتها والتصدي لنزعات الانفصال التي تستفيد من التضليل السياسي و الإعلامي لتحصل على الدعم ولتزرع الرعب والعنف وتغذي دوامة العنف خاصة عندما تكون مصالحها تلتقي موضوعيا مع المجموعات الإرهابية.</p>
<p dir="RTL">وكما تأكد لكم دائما، فإن المغرب، الوفي لتقاليد تعايش، وعيش مشترك، واعتدال، وحرية، لن يتوانى في مواصلة انخراطه الإيجابي الفاعل في تجديد الشراكة الأرومتوسطية.</p>
<p dir="RTL" align="center"><strong>أجدد الترحيب بكم وأشكركم على حسن إصغائكم.</strong></p>